التسامح: قمة النبل الإنساني
التسامح هو فضيلة عظيمة، وخلق رفيع من أخلاق الإسلام. إنه سمة الأرواح الطيبة، ووسيلة للارتقاء بالنفس البشرية. ببساطة، التسامح هو اللين في التعامل، والعفو عند المقدرة، والتغاضي عن الأخطاء دون إجبار أو قسر. إنه الصفح الجميل عن المسيء، والصبر على الأذى. وقد حثّ الله تعالى على التسامح في القرآن الكريم، فقال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
التسامح ليس ضعفًا، بل قوة وعزيمة. إنه دليل على سمو النفس، والقدرة على التحكم في الغضب والانفعالات. الشخص المتسامح هو شخص قوي، قادر على تجاوز الصغائر، والتركيز على الأمور الأهم.
التسامح: رفعة ومنزلة
للتسامح فوائد جمة تعود على الفرد والمجتمع. إنه أساس بناء مجتمع قوي ومتماسك، خالٍ من الضغائن والأحقاد التي تؤدي إلى الخلافات والنزاعات. عندما يسود التسامح بين الأفراد، يزدهر المجتمع، ويسوده الأمن والسلام.
كما أن التسامح يكسب صاحبه رضا الله تعالى، ويمنحه شعورًا بالراحة والسكينة والطمأنينة. بل إنه يدفع المسيء إلى تغيير سلوكه، والابتعاد عن الإساءة، لما يراه من عفو وصفح عند الخطأ. وقد قال الشاعر أحمد شوقي:
تسامحُ النفس معنىً من مروءتهابل المروءةُ في أسمى معانيها
تخلقِ الصفحَ تسعدْ في الحياةِ بهفالنفسُ يسِعدُها خلقٌ ويشقيها
قد يتساءل البعض: كيف أكون متسامحًا؟ الجواب يكمن في رغبة الإنسان في السعادة، وفي عدم السماح للأمور التافهة بتعكير صفو حياته. يجب أن ينسى الإنسان الأفعال السيئة، ويتذكر الأفعال الحسنة، وأن يوسع صدره للتجاوز عن أخطاء الآخرين، ابتغاء لمرضاة الله الذي يحب العافين عن الناس. كما يمكن تنمية التسامح بترويض النفس، وتعويدها على العفو، بالدعاء والاستعاذة من الشيطان، والاستغفار عند الغضب والرغبة في الانتقام.
كما تزداد قدرة الفرد على التسامح بقراءة الآيات التي تحث عليه، والتفكر في معانيها، وفي الفضل الكبير الذي أعده الله للمتسامحين. وكذلك بالنظر في الأحاديث النبوية، وقصص التسامح التي وردت عن السلف الصالح. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما نقصَتْ صَدَقَة مِنْ مالٍ ومَا زادَ اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عِزًا وما توَاضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعهُ اللهُ”.
التسامح: تاج الفضائل
التسامح يتجلى في صور وأشكال متعددة، فهناك التسامح الديني، والتسامح السياسي، والتسامح الفكري، والتسامح الثقافي. ورغم اختلاف هذه الأنواع، إلا أنها تشترك في قيم ومبادئ أساسية، مثل تجنب التعصب وخطاب الكراهية، وتعزيز ثقافة الحوار والتواصل الصادق مع الآخرين.
التسامح قيمة أخلاقية وحضارية عظيمة، تعود بالنفع على الفرد والمجتمع. فهو يجعل الفرد أكثر احترامًا للآخرين، مما يولد التآخي والمحبة والإخلاص بين أبناء المجتمع الواحد. يقول الإمام الشافعي:
لما عفوت ولم أحقدْ على أحدأرحتُ نفسي من هَمِّ العداواتِ
إِني أُحَيِّ عدوي عند رؤيتِهلأدفعَ الشر عني بالتحياتِ
كما أن التسامح بين أبناء الوطن الواحد يدفع إلى نبذ الفرقة والخلاف، ويجعل المجتمع متماسكًا وقويًا، وقادرًا على مواجهة التحديات والأخطار. ومن صور التسامح: البعد عن رد الإساءة بالإساءة. فالرسول -صلى الله عليه وسلم- رغم الأذى الذي تعرض له من المشركين، إلا أنه لم يرد الإساءة بالإساءة، وصبر على أذاهم. وعندما عاد إلى مكة المكرمة فاتحًا، عفا عن قريش، وعن كل من أساء إليه، فأعطانا درسًا عظيمًا في التواضع والعفو والأخلاق.
التسامح: شجرة مباركة
خلاصة القول، التسامح شجرة مباركة، وثمر طيب، وطريق موصل إلى الجنة. إنه يحمل في طياته معاني الرحمة والعفو والعطف. ما أعمقه من فعل نبيل! وما أشجع من يقوم به! فالنفوس الطيبة والعظيمة هي وحدها من تعرف كيف تسامح، وهذا يدل على رجاحة العقل، والقدرة على الحد من الحقد والكراهية.
فيديو: نظرة على التسامح وأهميته
(هذا الجزء يتطلب تضمين فيديو عن التسامح وأهميته)
المصادر
- سورة النور، آية:22
- رواه ابن عبدالبر ، في الاستذكار ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:7/624.