مقدمة حول الترنح، الدوار، وفقدان التوازن
الشعور بالترنح، الدوار، أو فقدان التوازن من الشكاوى الشائعة التي تدفع الكثيرين لزيارة الطبيب. تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 10% من الأفراد يعانون من الترنح بشكل عام، وترتفع هذه النسبة إلى 40% لدى الأشخاص الذين تجاوزوا الأربعين عامًا. من الضروري فهم هذه الحالات المختلفة لتحديد الأسباب الكامنة وراءها وعلاجها بفعالية.
الترنح مصطلح واسع يغطي مجموعة من الأحاسيس، بما في ذلك الشعور بخفة الرأس، الدوار، وعدم التوازن. الدوار، على وجه الخصوص، يصف الإحساس بأن الشخص أو ما يحيط به يدور، وغالبًا ما يكون ناتجًا عن خلل في الجهاز الدهليزي. أما فقدان التوازن، فيشير إلى الشعور بعدم الثبات والاقتراب من السقوط، وقد يتسبب في طريقة مشي غير طبيعية. يجب التمييز بين هذه المصطلحات لأنها تعكس تجارب مختلفة ذات أسباب وآليات متباينة.
للحفاظ على التوازن السليم، يعتمد الجسم على تكامل وظائف متعددة تشمل البصر، السمع، العضلات، والدماغ. أي خلل في هذه الأنظمة يمكن أن يؤدي إلى الترنح وفقدان التوازن.
الدوار: التعريف والأسباب
الدوار هو إحساس كاذب بالحركة، حيث يشعر الشخص بأن المكان يدور حوله أو أنه هو نفسه يدور. الأسباب الرئيسية للدوار تكمن في:
- الجهاز الدهليزي، خاصة القنوات الهلالية.
- العصب الدهليزي.
- النوى الدهليزية ومساراتها في جذع الدماغ.
على الرغم من أن الكثيرين يربطون الدوار بالأذن الوسطى، إلا أن السبب الحقيقي يكمن في الأذن الداخلية. تشمل الأمراض التي تسبب الدوار:
- الدوار الوضعي الانتيابي الحميد (BPPV): نوبات قصيرة من الدوار تحدث عند تغيير وضع الرأس. السبب هو حركة بلورات كربونات الكالسيوم في القنوات الهلالية، مما يسبب تهيجًا وإرسال إشارات عصبية خاطئة إلى الدماغ. هذا النوع من الدوار قد يكون خطيرًا أثناء القيادة أو في الأماكن التي قد يؤدي السقوط فيها إلى إصابات.
- التهاب التيه أو العصب الدهليزي: التهاب في الأذن الداخلية يؤدي إلى الدوار، وقد يصاحبه فقدان السمع. يستمر الدوار في هذه الحالة لعدة أيام، وعادة ما يتبع عدوى فيروسية.
- مرض منيير (Ménière’s disease): خلل في الأذن الداخلية يسبب نوبات من الدوار تستمر لساعات، بالإضافة إلى طنين في الأذن. قد يفقد المريض السمع في الأذن المصابة، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بغثيان وقيء.
- ورم العصب السمعي.
- ورم في أحد أجزاء جذع الدماغ.
- نقص تروية جذع الدماغ أو نوبة نقص تروية عابرة.
- الشقيقة أو الصداع النصفي.
- التصلب اللويحي.
- تناول الكحول أو بعض الأدوية مثل مضادات الاختلاج.
الأعراض المرافقة للدوار
قد يكون سبب الدوار مركزيًا (في الدماغ) أو طرفيًا (من أعضاء أخرى مثل الأذن الداخلية). الأعراض المصاحبة تختلف قليلًا حسب السبب:
الأعراض المصاحبة للدوار ذي السبب المركزي:
- الدوار يكون عادةً أقل حدة.
- رأرأة العين (حركة العين اللاإرادية) تكون عمودية أو دائرية وتحدث في أكثر من اتجاه.
- قد تظهر أعراض خلل في جذع الدماغ، مثل فقدان الإحساس في الأطراف.
- إذا صاحب الدوار سقوط، فإن المريض عادةً يميل ويسقط نحو الجهة التي يوجد فيها الخلل.
- لا تختفي رأرأة العين عند تثبيت النظر على شيء معين.
الأعراض المصاحبة للدوار ذي السبب الطرفي:
- دوار شديد الحدة.
- رأرأة أفقية في العين وتكون في اتجاه واحد.
- غالبًا ما يصاحب الدوار طنينًا في الأذن أو فقدانًا لحاسة السمع.
- غثيان وقيء.
- إذا صاحب الدوار سقوطًا أو ميلانًا، فإن الشخص يميل نحو الجهة التي توجد فيها المشكلة.
- تختفي رأرأة العين عند تثبيت النظر على شيء معين.
كيفية تحديد سبب الدوار
يعتمد التشخيص الأولي على الأعراض التي يعاني منها المريض، مدة استمرارها، الأعراض المصاحبة، والأدوية التي يتناولها. بالإضافة إلى ذلك، يؤخذ التاريخ المرضي للمريض في الاعتبار، خاصة إذا كان قد عانى مؤخرًا من التهاب. ثم يقوم الطبيب بإجراء فحص سريري لتحديد ما إذا كان سبب الدوار مركزيًا أو طرفيًا.
لتشخيص الدوار الوضعي الانتيابي الحميد، يقوم الطبيب بتطبيق اختبار ديكس-هول بايك (Dix-Hallpike test)، حيث يحرك رأس المريض فجأة في اتجاهات معينة ويراقب الأعراض التي تظهر عليه. في بعض الحالات، قد يستعين الطبيب بصورة رنين مغناطيسي أو أشعة مقطعية لتشخيص سبب الدوار.
خيارات علاج الدوار المختلفة
قد يختفي الدوار من تلقاء نفسه أو تخف حدته، لأن الدماغ قادر على التكيف جزئيًا، خاصة إذا كان السبب هو التهاب الأذن الداخلية. في هذه الحالة، يعتمد الدماغ على طرق أخرى للحفاظ على التوازن.
نظرًا لوجود العديد من الأمراض التي تسبب الدوار، يتم علاجه بعلاج السبب. على سبيل المثال، يعالج الدوار الناتج عن التهاب الأذن الداخلية بالمضادات الحيوية. أما إذا كان الدوار الوضعي الانتيابي الحميد هو السبب، فيمكن تطبيق مناورة إيبلي (Epley maneuver) لإعادة تموضع الكريستالات التي تهيج الأذن الداخلية. قد يصف الطبيب مدرات البول للأشخاص المصابين بمرض منيير لتخفيف السوائل. في حالات نادرة، قد يلجأ الطبيب إلى الجراحة إذا كان سبب الدوار ورمًا في الدماغ.
بشكل عام، هناك دواءان يمكن استخدامهما لعلاج معظم أنواع الدوار:
- ميكليزين (Meclizine).
- بينزوديازبين (Benzodiazepines).
سبل الحماية من الدوار
للوقاية من الدوار ذي السبب المركزي، يجب على الشخص تجنب الأسباب التي قد تؤدي إلى جلطة دماغية، مثل السيطرة على ضغط الدم، الانتباه إلى مستويات الكولسترول والسكر في الدم.
أما للوقاية من الدوار ذي السبب الطرفي، مثل مرض منيير، يجب الانتباه إلى مستويات الملح في الطعام. لا يمكن حماية النفس تمامًا من الدوار، لكن اتباع نمط حياة صحي هو دائمًا أفضل وسيلة للوقاية من معظم الأمراض.
فقدان التوازن والترنح: نظرة أعمق
تتكامل الأجهزة والحواس في الجسم لتحقيق التوازن، وأي خلل في إحداها يؤدي إلى اختلال التوازن، خاصة أثناء الوقوف أو الحركة. هذه الأجهزة تشمل الأذن الداخلية، العينين، مجسات عضلات الرقبة والمفاصل، والدماغ لترجمة المعلومات واتخاذ القرارات المناسبة.
العينان تحددان موضع الرأس من خلال الرؤية، ومجسات الحركة في عضلات العمود الفقري والمفاصل والأوتار ترسل إشارات عصبية إلى الدماغ تعلمه بوضع الجسم النسبي للمحيط. أما الأذن الداخلية فتتكون من الدهليز، القنوات شبه الدائرية والقوقعة، وترتبط بالعصب الدهليزي المسؤول عن الاتزان.
مناطق الدماغ المسؤولة عن التوازن
تشريحيًا، هناك عدة مناطق في الدماغ قد يؤدي وجود مشكلة فيها إلى الشعور بعدم الاتزان:
- الدماغ بشكل عام، بسبب مشكلة في الدماغ والأعصاب أو مرض عضوي أدى إلى ضعف عام أو بؤري.
- المخيخ، فحدوث مشكلة فيه يؤدي إلى انعدام الاتزان والتناسق أثناء الحركة.
- العقد العصبية القاعدية (Basal Ganglia)، وأي خلل فيها يؤدي إلى ضعف في ردود فعل الجسم الوضعية.
- المسالك أو المستقبلات الحسية، وأي مشكلة فيها تؤدي إلى خلل في استقبال الحس العميق (Proprioception).
أسباب اختلال التوازن
هناك أسباب كثيرة قد تؤدي إلى خلل في التوازن، منها:
- أي مشكلة في الأذن الداخلية.
- تلف في أعصاب القدم يؤدي إلى مشكلة في المشي وانعدام التوازن.
- فقدان البصر.
- ضعف في العضلات أو مشاكل وعدم استقرار في المفاصل.
- بعض الأدوية كعرض جانبي لها.
- مرض باركنسون.
- داء الفقار الرقبي.
أسباب الترنح
الترنح هو إحساس بخفة الرأس وتشويش في الذهن، ويمكن أن يسببه:
- مشاكل في الأذن الداخلية.
- مشاكل نفسية كالاكتئاب، والقلق.
- قلة النوم.
- انخفاض مستوى السكر في الدم.
- بعض الأدوية كعرض جانبي لها.
- فقر الدم.
- الحمل.
- انخفاض نسبة الأكسجين في الدم وفرط التنفس.
- الخوف الشديد أو الهلع.
- انخفاض ضغط الدم.
- هبوط الضغط الانتصابي (Orthostatic Hypotension).
تشخيص الترنح واختلال التوازن
لتشخيص الترنح واختلال التوازن، يبدأ الطبيب بجمع المعلومات حول العَرَض، والأعراض المصاحبة، والمدة، والأمراض الأخرى التي يعاني منها المريض؛ كالضغط، أو السكري، والأدوية التي يستعملها المريض. ثم الفحص السريري الذي يشمل فحص الأذن. بعد ذلك، يطلب الطبيب الفحوصات والصور اللازمة حسب الحالة، وغالبًا ما يطلب فحصًا لمستوى السكر في الدم، وقياس ضغط الدم، ووتيرة التنفس، وعدد دقات القلب. إذا كانت المريضة أنثى متزوجة، قد يطلب الطبيب فحص حمل، وقد يطلب أيضًا صورة رنين مغناطيسي، وأشعة مقطعية محوسبة.
علاج الترنح واختلال التوازن
يكون العلاج حسب تشخيص الطبيب بعلاج المسبب. إذا كان الترنح مصحوبًا باستفراغ أو صداع، يمكن وصف مسكنات ومضادات للاستفراغ وأدوية تخفف من الشعور بالترنح. تحسين نمط الحياة وطبيعة الأغذية المتناولة له دور كبير في تجنب الترنح قدر الإمكان بتجنب الأمراض التي يمكن أن تسببه. أما إذا كان سبب الترنح أو انعدام التوازن خلل في المفاصل أو ضعف العضلات، فيجب مراجعة طبيب عظام أو أعصاب لإجراء اللازم.