فهرس المحتويات
جوهر التحدي الاقتصادي في الفكر الإسلامي
يشترك الاقتصاد الإسلامي مع الأنظمة الاقتصادية الأخرى، مثل الرأسمالية والاشتراكية، في الإقرار بوجود ما يعرف بالتحدي الاقتصادي. ينشأ هذا التحدي من خلال التناقض بين الرغبات والحاجات المتزايدة للأفراد وبين الموارد المحدودة المتاحة لإشباع تلك الرغبات.
ويرى بعض الفقهاء أن جوهر هذا التحدي يكمن في ضرورة اختيار الفرد بين مجموعة من الموارد النادرة لتحقيق رغباته. ويضيفون أن هذا الاختيار ليس مجرد قرار مادي، بل يحمل أبعادًا عقائدية يجب على الفرد مراعاتها. فالجوانب المادية ليست مطلقة، ولا يملك الفرد حرية كاملة في الاختيار، بل يجب أن يلتزم بما أحله الشرع ويتجنب ما حرمه.
تسعى جميع الأنظمة الاقتصادية إلى وضع استراتيجيات وخطط للتقليل من آثار التحدي الاقتصادي. والاقتصاد الإسلامي، بدوره، يهدف إلى حل هذه المشكلة بطرق تتوافق مع الشريعة الإسلامية وتحقق الصالح العام للمجتمع، مع الالتزام بالقيم والأخلاق الإسلامية وعدم تجاوز حدود الشرع أو الإضرار بأي فئة من فئات المجتمع.
مكونات أساسية للتحديات الاقتصادية في الشريعة الإسلامية
يتكون التحدي الاقتصادي في الاقتصاد الإسلامي من عدة عناصر أساسية، من أبرزها:
محدودية الموارد وأثرها
يعتبر العديد من علماء الاقتصاد الإسلامي أن ندرة الموارد تشكل جزءًا أساسيًا من التحدي الاقتصادي. ويرتكز هذا الاعتقاد على أن الدنيا ليست سوى ممر، وأن مواردها محدودة وقابلة للنفاد. لذلك، يؤكدون على ضرورة السعي والعمل الجاد للحصول على السلع وتحقيق الرغبات المشروعة.
الحاجات الإنسانية اللامحدودة
يقر الاقتصاد الإسلامي بأن الحاجات والرغبات الإنسانية لا نهائية. ومع ذلك، يرى أنه لا يجوز للفرد أن يسعى إلى تحقيق جميع رغباته دون قيود، بل يجب أن يقتصر على ما أحله الشرع واستحسنه، ويتجنب كل ما حرمه.
رؤية الإسلام لنظام السوق
بينما يرى البعض أن نظام السوق هو الأمثل لحل التحدي الاقتصادي، يشدد الاقتصاد الإسلامي على أن الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية في السوق هو الطريقة المثلى لتوفير الضروريات للناس بأسعار مناسبة، دون الإضرار بأي طرف.
العلاقة بين الإنتاج والتوزيع
تربط النظم الاقتصادية الأخرى بين أساليب الإنتاج وتوزيع الثروات. لكن الاقتصاد الإسلامي لا يقتصر على شكل واحد للإنتاج، بل يؤكد على أن التعاون والتآخي والتكاتف بين أفراد المجتمع يؤدي إلى توزيع عادل للثروة بين جميع أفراده. لقد حث الإسلام على الإنفاق في وجوه الخير وذكر ذلك في مواضع عديدة منها قوله تعالى:
“مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” [البقرة: 261].
التخطيط المركزي من منظور الشريعة
يقوم مبدأ التخطيط المركزي في الأنظمة الاقتصادية التقليدية على تدخل الدولة في الأمور الاقتصادية، بهدف حماية الناس وتلبية احتياجاتهم. لكن الاقتصاد الإسلامي يرفض هذا المبدأ، ويمنح الفرد حرية اقتصادية في اختيار مشروعاته الاستثمارية وتحديد رغباته. يجب على الدولة أن تتابع وتحقق مصلحة الجميع وتوفر احتياجاتهم، وتسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة في الإسلام بناءً على مقاصد الشريعة الإسلامية، دون التدخل في الملكيات الخاصة إلا عند الضرورة. وقد قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالتدخل في عام المجاعة، وهذا التدخل كان استثناءً لحماية المجتمع من الهلاك.
وقد حث الإسلام على العمل وكسب الرزق الحلال وعدم السؤال، وقد ورد في الحديث الشريف:
“لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ” [رواه البخاري].