توضيح معنى التبعة الجنائية في الشريعة
على الرغم من أن علماء الفقه الإسلامي الأوائل لم يستخدموا مصطلح “التبعة الجنائية” بشكل مباشر في مؤلفاتهم، إلا أنهم تناولوا أحكامها وتفاصيلها باستفاضة. يُقصد بالتبعة الجنائية في الشريعة الإسلامية: الالتزام الذي يقع على عاتق الشخص الذي يرتكب فعلًا محظورًا، يسبب ضررًا للآخرين أو للمجتمع، خاصةً ما يتعلق بالاعتداء على النفس أو الجسد.
الشروط اللازمة لقيام التبعة الجنائية
لكي تثبت أحكام التبعة الجنائية على شخص ما وفقًا للشريعة الإسلامية، يجب أن تتوفر ثلاثة شروط أساسية. إذا غاب أي من هذه الشروط، لا يمكن تطبيق التبعة على الشخص الذي قام بالفعل. هذه الشروط هي:
- أن يرتكب الشخص فعلًا محظورًا بموجب أحكام الشريعة الإسلامية.
- أن يكون ارتكاب الفعل المحظور بإرادة الشخص واختياره، دون إكراه.
- أن يكون الشخص عاقلًا ومدركًا لعواقب فعله المحظور شرعًا.
أهم القواعد المنظمة للتبعة الجنائية
تعتبر الشريعة الإسلامية مرجعًا شاملاً يشتمل على مجموعة من القواعد والمبادئ التي تنظم مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك التبعة الجنائية. وفيما يلي بعض من أهم هذه القواعد:
شخصية التبعة: التبعة الجنائية هي شخصية، بمعنى أن الفرد هو المسؤول الوحيد عن أفعاله ولا يمكن تحميلها للآخرين، مهما كانت صلتهم به. وقد أكد القرآن الكريم على هذا المبدأ في قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18].
التكليف: التبعة الجنائية لا تقع إلا على الشخص المكلف، أي البالغ العاقل. فالطفل والمجنون لا يتحملان مسؤولية جنائية في الشريعة الإسلامية. وقد جاء في الحديث الشريف: [رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يشِبَّ، وعن المعتوهِ حتَّى يعقِلَ].
الإكراه: الشخص الذي يتم إكراهه على فعل محظور لا يؤاخذ ولا يعاقب. وقد ورد ذلك في قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106]، وكذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [وُضِعَ عن أُمَّتِي الخطأُ والنسيانُ وما استُكرهوا عليهِ].
الإنسان الطبيعي: المسؤولية الجنائية في الإسلام خاصة بالإنسان الطبيعي، ولا تشمل الجماد أو الحيوان، وذلك لعدم توفر عنصري الاختيار والإدراك لديهما.
حياة الجاني: من شروط قيام التبعة على الشخص أن يكون الجاني على قيد الحياة عند تطبيق التبعة الجنائية عليه، وبالتالي لا توجد تبعة جنائية على المتوفى، إذ يسقط الموت التكاليف.
الشخصية الاعتبارية: لم تعترف الشريعة الإسلامية بالشخصية الاعتبارية في التبعة الجنائية، حيث ترى أن أحكام هذه التبعة تعتمد على الإدراك والاختيار، وهما غير متوفرين في الشخصية الاعتبارية. ولكن إذا صدر الفعل المحظور من الشخص الذي يتولى شؤونها، فإن أحكام التبعة الجنائية تسري عليه. ويعرف فقهاء الشريعة الشخصية الاعتبارية بأنها شخص قادر على تحمل الالتزامات واكتساب الحقوق مثل الإنسان الطبيعي، مثل بيت المال، أو المدارس، أو المستشفيات، أو الملاجئ وغيرها.
قائمة المصادر
- مأمون وجيه الرفاعي، نظرية المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي.
- مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي.
- أبتعبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي.
- القرآن الكريم، سورة فاطر، الآية 18.
- القرآن الكريم، سورة النحل، الآية 106.
- البخاري، في العلل الكبير، عن علي بن أبي طالب.
- ابن الملقن، في تحفة المحتاج، عن عبدالله بن عباس.