البيئة الصحراوية في أشعار العصر الجاهلي

تأثير البيئة الصحراوية في أشعار العصر الجاهلي. نظرة في أشعار امرئ القيس، الحطيئة، طرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى وكيف انعكست الصحراء على نصوصهم

أثر البيئة الصحراوية على الشعر الجاهلي

يشكل ذكر الصحراء جزءًا أساسيًا من الشعر الجاهلي، حيث نرى ارتباطًا واضحًا بين العرب وأرضهم في أشعارهم. لقد مزجوا بين حبهم للصحراء وتجسيد جوانب حياتهم وعاداتهم فيها. من أبرز مظاهر تأثير الصحراء على الشاعر العربي هو تصوير رحلات الترحال، ورحلات الشاعر نفسه، ورحلات الصيد في هذه البيئة القاسية، مما انعكس بشكل مباشر على نفسية الشاعر ومشاعره.

كان للصحراء دور هام في تشكيل الفكر والثقافة والهوية للمجتمع الجاهلي. فهي البيئة التي نشأ فيها معظم شعراء تلك الفترة، والمسرح الذي شهد طفولتهم وشبابهم، ومصدر إلهامهم وتأملاتهم. الشعراء الذين تناولوا الصحراء ووصفوها كانوا كُثر، ومن أبرزهم: امرؤ القيس، والحطيئة، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، وغيرهم.

الصحراء في قصائد امرئ القيس

في مطلع معلقته الشهيرة، يخاطب امرؤ القيس رفيقيه، ويطلب منهما مشاركته في التذكر والبكاء على الأطلال. يصف رمال الصحراء المتموجة والمتعرجة في منطقة (سقط اللوى)، حيث كان منزل الحبيبة يقع بين الدخول وحومل. ثم يصف كيف أصبحت الأرض خالية بعد رحيلهم، وكيف سكنت الظباء رمالها، ونثرت روثها في ساحاتها كأنه حب الفلفل في أرضها المستوية.

يفتتح امرؤ القيس معلقته قائلاً:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِهَا
وَقِيْعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كَأَنِّيْ غَدَاة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ

تصوير الصحراء عند الحطيئة

يُعد الحطيئة من الشعراء المخضرمين، إلا أن ألفاظ قصيدته “وطاوي ثلاث” تشير إلى أنها كتبت قبل الإسلام. يروي الحطيئة تجربته مع الجوع الشديد الذي عانى منه، حيث قضى ثلاث ليالٍ وهو يعاني من الجوع في صحراء (تيهاء) القاحلة، التي لا يوجد فيها أي أثر للحياة. نلاحظ استخدامه المبدع لأحد أسماء الصحراء، “تيهاء”، ليقدم صورة أكثر وضوحًا عن حالة الجوع والضياع التي كان يمر بها.

يستهل قصيدته قائلاً:

وَطاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ
بِتيهاءَ لَم يَعرِف بِها ساكِنٌ رَسما
أَخي جَفوَةٍ فيهِ مِنَ الإِنسِ وَحشَةٌ
يَرى البُؤسَ فيها مِن شَراسَتِهِ نُعمى

الصحراء في أشعار طرفة بن العبد

يذكر الشاعر طرفة بن العبد الصحراء في قصيدته “أصحوت اليوم” في بيتين متتاليين:

أَرَّقَ العَينَ خَيالٌ لَم يَقِر
طافَ وَالرَكبُ بِصَحراءِ يُسُرجِ
جازَتِ البيدَ إِلى أَرحُلِنا
آخِرَ اللَيلِ بِيَعفورٍ خَدِر
ثُمَّ زارَتني وَصَحبي هُجَّعٌ
في خَليطٍ بَينَ بُردٍ وَنَمِر

تسيطر على الشاعر عاطفة التأثر بصورة الصحراء، فيصف خيال المحبوبة وحالة الأرق التي مر بها. يستخدم لفظ الصحراء (المفرد) للإشارة إلى أن الركب كله في الصحراء، بينما هو مشغول بذلك الخيال. ثم يستخدم أحد أسماء الصحراء في حالة الجمع (البيد: الصحاري الواسعة) للإشارة إلى أن خيال المحبوبة قطع كل تلك الصحاري الواسعة ليصل إليهم.

نظرة زهير بن أبي سلمى للصحراء

كان تأثير الصحراء في شعر زهير واضحًا منذ نشأته في بيئة شعرية، حيث كان أبوه وخاله وزوج أمه وأختاه وابناه من الشعراء. لقد ورث الشعر وأورثه، فوصف رحيل الأحبة وتغنى بالخيول والصيد. كان يذكر الكثير من أسماء الأماكن في الصحراء، وذلك بسبب إحساسه المرهف وقدرته العالية على التأمل وقوة الملاحظة، مما ساعده في كتابة أشعاره.

يصف الشاعر زهير بن أبي سلمى آثار منازل المحبوبة في الصحراء التي مر عليها الدهر فدرست وتغيرت. يرى أن الصحراء تحتفظ بآثار منازل سلمى وإن مر العام بعد العام.

لِسَلمى بِشَرقِيِّ القَنانِ مَنازِلُ
وَرَسمٌ بِصَحراءِ اللُبَيَّينِ حائِلُ
عَفا عامَ حَلَّت صَيفُهُ وَرَبيعُهُ
وَعامٌ وَعامٌ يَتبَعُ العامَ قابِلُ
تَحَمَّلَ مِنها أَهلُها وَخَلَت لَها
سِنونَ فَمِنها مُستَبينٌ وَماثِلُ

المصادر

  1. كتاب عن الصحراء في الشعر الجاهلي.
  2. ديوان الشعر العربي.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

العافية وطرق الحفاظ عليها

المقال التالي

الصخور الرسوبية وأنواعها المختلفة

مقالات مشابهة