دلالة البذل في الإسلام
يعتبر البذل من القيم النبيلة التي حث عليها الدين الإسلامي. وهو يتجلى في صور مختلفة، بدءًا من العطاء المادي وصولًا إلى العطاء المعنوي. لفهم هذا المفهوم بشكل أعمق، يجب الغوص في معناه اللغوي والاصطلاحي.
المعنى اللغوي للبذل
البذل مشتق من الفعل الرباعي “أعطى”، وجذره الثلاثي هو “عطو”، ويدل على المناولة والأخذ. ومنه اشتق الإعطاء، والمعاطاة تعني المناولة. و”العطاء” هو اسم لما يعطى، أي العطية، وجمعها عطايا.
المعنى الاصطلاحي للبذل
في الزمن السابق، كان مصطلح البذل يشير إلى ما يعطى للجنود سنويًا، أي ما يشبه الراتب السنوي. كما قد يدل على الهبة، كما عرفها ابن عرفة بأنها: “تمليكُ متموّلٍ بغير عوض إنشاء”، أي إعطاء شيء ذي قيمة دون مقابل. أما في عصرنا الحالي، فقد اتسع مفهوم البذل ليشمل تقديم كل ما يحتاجه الآخرون دون انتظار مقابل.
أصناف العطاء
للعطاء صور وأنواع متعددة، تشمل الجوانب المادية والمعنوية في حياة المسلم. من أهم هذه الأنواع:
- العطاء المادي: يشمل الصدقات والزكاة، وكل ما يقدمه المسلم من ماله للآخرين دون مقابل. وقد حث الله تعالى على هذا النوع من العطاء في كتابه الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) [فاطر: 29].
- العطاء العلمي والمعرفي: يشمل تعليم الناس، وإفتائهم، ونشر العلم والمعرفة. فالبخل بالعلم يشبه البخل بالمال، وكما أن للمال زكاة، فكذلك للعلم زكاة. قال الله تعالى: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) [التكوير: 24] أي؛ لا يبخل عليكم بعلمه.
- عطاء النصيحة: يتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالعطاء لا يقتصر على المال، بل يشمل النصح والإرشاد، وهو من تمام الدين. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) [رواه مسلم].
- العطاء الجسدي: يتمثل في مساعدة الناس بالجهد البدني، حتى ولو كان ذلك بمساعدة شخص على دابته. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ) [رواه البخاري].
- العطاء بالروح: يتمثل في التضحية بالنفس في سبيل الله، أو لإنقاذ حياة الآخرين. وأعظم صور هذا العطاء هو الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّـهِ فَيَقتُلونَ وَيُقتَلونَ وَعدًا عَلَيهِ حَقًّا فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالقُرآنِ) [التوبة: 111].
تجليات البذل في الإسلام
للعطاء مظاهر متعددة في الشريعة الإسلامية، تتجلى في مختلف العبادات والمعاملات. من أبرز هذه المظاهر:
- الجهاد في سبيل الله: هو قمة العطاء، حيث يقدم المسلم نفسه رخيصة في سبيل الله تعالى. وقد جعل الله تعالى الجهاد ذروة سنام الإسلام. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ) [رواه الترمذي].
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هو واجب على كل مسلم، بحسب قدرته. وقد يتطلب ذلك السفر وبذل المال. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) [رواه مسلم].
- التبرعات المالية: تشمل الزكاة، والصدقات، وكفالة اليتيم، وغيرها من أوجه الإنفاق في سبيل الله.
- نشر العلم: يتم عن طريق التدريس، وإلقاء الخطب، وتأليف الكتب، واستخدام وسائل التعليم المختلفة.
آثار البذل في الإسلام
للبذل آثار عظيمة على الفرد والمجتمع، سواء كانت مادية أو معنوية. من أهم هذه الآثار:
الآثار المعنوية
- تعزيز المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع.
- تطهير النفس من الأنانية والشح، وتنمية روح التعاون.
- تلبية احتياجات المحتاجين وتخفيف معاناتهم.
- غرس قيم العطاء والتضحية في نفوس الأجيال القادمة.
الآثار المادية
- المساهمة في القضاء على الفقر وتوفير حياة كريمة للمحتاجين.
- نشر الإسلام وتعزيز قيمه من خلال بذل الأنفس والأموال في سبيل الله.
- تنمية العلم والمعرفة، ونشر الأخلاق والقيم الفاضلة.