البحث عن الحكمة: رؤية المؤمن

استكشاف مفهوم الحكمة من منظور إسلامي. شرح لأهمية الحكمة للمؤمن، وتوضيح مكانة الحكمة في القرآن الكريم.

أهمية طلب النصيحة والفائدة

يبقى المؤمن تواقاً للكلمة التي تحمل النصح والإرشاد، وكلما وجدها فليبادر بالأخذ بها. لا يكترث المؤمن لمصدر هذه الحكمة، حتى لو أتت من شخص لا يُعدّ من أهل الفضل أو المعرفة. كما قال التوربشتي، مشيراً إلى ضرورة العمل بها واتباعها، لأن الحكمة قد تصدر من غير أهلها، ثم تجد طريقها إلى من يستحقها.

يشبه المؤمن بمن فقد شيئاً ثميناً، ثم وجده لدَى شخص آخر؛ فهو لا ينظر إلى حالة الشخص الذي وجد ضالته، بل يأخذها منه دون تردد. كذلك الحكمة، يأخذها المؤمن أينما وجدها، بغض النظر عن قائلها ومصدرها.

ورُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله: “خذوا الحكمة ممّن سمعتموها، فإنه قد يقول الحكمة غير الحكيم، وتكون الرمية من غير رامٍ”. وهذا يؤكد على أهمية الاستماع للجميع والاستفادة من أي معلومة قد تكون مفيدة.

وجاء عن عبد الله بن عبيد بن عمير قوله: “كان يُقال العلم ضالة المؤمن يغدو في طلبها، فإن أصاب منها شيئًا حواه حتى يضم إليه غيره”. ويؤيد هذا القول ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنه- مرفوعًا قوله: “خذالحكمة ولا يضرّك من أي وعاء خَرَجَتْ”. هذه القاعدة يجب أن يتبعها المؤمن في حياته، فهو الأجدر بالرأي السديد أينما وُجد.

مدى صحة الحديث عن الحكمة

الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو قوله: (الكلِمةُ الحِكمةُ ضالَّةُ المؤمِنِ فحيثُ وجدَها فَهوَ أحقُّ بِها)، أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. وقد ذكر الترمذي في حكمه عليه: “حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المَدني المخزومي يُضعّف في الحديث من قِبلِ حفظه”.

على الرغم من أن هذا الحديث قد لا يكون ثابتاً بشكل قاطع كحديث مرفوع إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، إلا أنه يحمل معنى صحيحاً وجوهرياً. يجب على المؤمن أن يسعى جاهداً لطلب الحق أينما كان، وأن يتقبل الرأي الصائب من أي شخص كان. فالمؤمن الحق يأخذ كلمة الحق دون النظر إلى مصدرها أو قائلها.

ذكر الحكمة في القرآن

لقد ذكر الله -تعالى- الحكمة في القرآن الكريم في مواضع متعددة، مما يدل على أهميتها العظمى. ومن هذه المواضع:

قول الله -تعالى-: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

تخبر هذه الآية عن دعوة نبي الله إبراهيم -عليه السلام-. في هذه الآية الكريمة، تأتي الحكمة بمعنى الخير والصلاح الذي يأمرهم به ليفعلوه.

قول الله -تعالى-: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).

في هذه الآية، يُقصد بالحكمة القول الصائب الصحيح الذي يعلّمه الله -تعالى- لمن يشاء من عباده. وقيل أيضاً أن معناها الفقه والعلم في القرآن الكريم، وقيل هي الخشية من الله تعالى.

Total
0
Shares
المقال السابق

نظرة في توزيع الميراث للمرأة في الشريعة الإسلامية

المقال التالي

دروس وعبر في معترك الحياة

مقالات مشابهة

فهم آية (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) في القرآن الكريم

تحليل وتوضيح لقوله تعالى (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) في سورتي الأعراف ويوسف. استكشاف المعاني والدلالات في سياق قصص الأنبياء نوح ويعقوب عليهما السلام.
إقرأ المزيد