البتراء: جوهرة الأردن الخالدة

البتراء: تحفة معمارية خالدة. استكشف مدينة الأنباط الأثرية، بجمالها الساحر وتاريخها العريق. وجهة لا مثيل لها لعشاق التاريخ والجمال.

البتراء: قصة خلود

الأماكن الأثرية تتوشح رداء الفخر، وتتزين بعظمة الأجداد. عندما يُذكر اسم البتراء، يفوح عبق التاريخ في كل مكان. وعندما يزورها الناس، تغمر قلوبهم السعادة. وإذا بحثت أقلامنا عنها، احتضنت الكلمات دفء أوصافها وروعة تفاصيلها، تلك التفاصيل التي عبرت القرون. إنها تفاصيل تقاوم قسوة الحياة، وتصمد صمود الصخر في وجه الرياح، لتخبرنا عما شهدته خلال العصور المختلفة. ومن بين هذه الأماكن، وأكثرها شهرة وإثارة للدهشة، تلك المدينة التي وصفها مكتشفها بأنها “آيات من الفن”، تلك المدينة هي البتراء.

معالم البتراء: سحر يخطف الألباب

تضم الأردن بين جنباتها هذه المدينة العجيبة، مدينة البتراء، وتحديدًا في جنوبها، في محافظة معان، لواء البتراء؛ حيث المناخ الصحراوي والطبيعة الجبلية. جبال وادي موسى تحتضن المدينة كالأم لأبنائها، وصخور الجبال حانية على كل حجر من أحجارها، تخبئها بين أضلاعها المتمثلة في حاجز منيع من الجبال التي يصعب اختراقها، والمعروفة باسم السيق.

يعود تاريخ تأسيس البتراء إلى عصور ما قبل التاريخ، وبالتحديد حوالي 312 قبل الميلاد. كانت البتراء عاصمة للدولة النبطية في ذلك الوقت، وهي الدولة التي اشتهرت بجمال ما تصنعه أيادي شعبها من الفخار والمنحوتات، فنقلوا إبداعهم إلى البتراء من خلال بنائها على نحو يجمع بين الحضارة النبطية والمصرية والآشورية، مما أكسبها تنوعًا وثراءً في المظاهر المعمارية.

تتزين المدينة بأقواس وأعمدة مختلفة الأحجام، بالإضافة إلى المباني المتنوعة والغنية بأنواع الفنون المختلفة، ومباني العمارة الجنائزية التي عكست اهتمام الشعب النبطي بالحياة الآخرة وإيمانهم بها. وتنتشر المقابر في المدينة، خاصة على الطريق الرئيسي المؤدي إليها. لقد امتلك الشعب النبطي من العبقرية ما أوصلهم إلى المثالية في التصميم الهندسي لمدينتهم وعاصمتهم.

أدرك الأنباط قساوة المناخ الصحراوي وطبيعة الصحراء والجبل المتلونة، فابتكروا الحلول المناسبة لهذه المشكلة، من خلال تصميم مدينتهم وفق نظام هندسي مائي يوفر المياه اللازمة لقاطنيها. يلاحظ زائر البتراء التنوع الكبير في مواد البناء والطرق، مما يعكس استغلال الشعب النبطي لجميع الإمكانيات المتاحة في البيئات المختلفة، لتكون البتراء لوحة فنية مصنوعة من الرخام والأحجار والأشجار والصخور.

تلك الصخور الملتوية ذات اللون الوردي هي التي أكسبت البتراء اسم “المدينة الوردية”. تمتعت المدينة بموقع جغرافي متميز، إذ توسطت الحضارات المختلفة في المنطقة، فكانت تمر بها القوافل التجارية، مما ساعد على انتشار الثقافة النبطية في كل مكان، وازدهار تجارتها واقتصادها، وتنوع ثقافاتها.

مرت البتراء بمراحل تاريخية وسياسية عديدة. في العقد السادس قبل الميلاد، تعرضت المدينة للغزو الروماني، معلنة بذلك نهاية عصر الدولة النبطية. سرعان ما قام الرومان بإضافة لمساتهم الخاصة على البتراء، فقاموا ببناء العديد من المباني، بالإضافة إلى مدرج البتراء.

مع ظهور مدن أخرى مثل تدمر، شهدت البتراء فترة من الهدوء التدريجي، استمر حتى انطفأ بريقها برحيل الرومان عنها، ثم رحيل أهلها نتيجة الزلازل. ترك المماليك بصمتهم على البتراء في القرن الرابع عشر، عندما بنوا مقام النبي هارون. بعد ذلك، دخلت المدينة في سبات طويل، أهلك ملامحها وأصابها بالتعب.

على الرغم من كل ما شهدته المدينة، فقد منحها ذلك ما هي عليه اليوم. تحتضن البتراء ما يقرب من ثلاثة آلاف معلم، منها ثمانمئة معلم مشهور. لكل معلم طابعه الخاص، الذي يتنوع بين الطابع النبطي والروماني والمملوكي، بالإضافة إلى الأنماط المتنوعة الناتجة عن الاختلاط الحضاري، مثل المصري والآشوري.

يبرز جمال البتراء في أماكن عديدة، منها تلك المجموعة الجبلية المتلاحمة والمتراصة لحماية المدينة، والتي تُعرف باسم “السيق”. السيق هو الطريق الرئيسي المؤدي إلى المدينة، وهو طريق طبيعي، إلا أن الأنباط أكملوا بنائه. يتميز السيق بكونه طريقًا متعرجًا، يفتن الناظرين بجماله.

يتزين جانبا السيق بالمنحوتات المعبرة عن الآلهة، والملاصقة للقنوات المائية، مما يعكس نظرة الأنباط المقدسة للمياه. وعند نهاية السيق، يظهر أمامنا ضريح ملكي يدهش الأبصار، بتفاصيله الدقيقة التي تشبه ما تصنعه الآلات الحديثة. يتكون هذا المبنى من طابقين مزينين بالأعمدة، ويتوسط الطابق العلوي منحوتة على شكل جرة، أكسبت المبنى اسم “الخزنة”. تتحدث الأساطير البدوية عن اعتقادهم بأن هذه الجرة تحتوي على كنز ثمين.

ومن المباني التي تعكس تطور الأنباط وحضارتهم، المسرح النبطي الذي بني في القرن الأول الميلادي بأمر من الملك الحارث الرابع بمناسبة زواجه الثاني، ويُعرف باسم “مسرح البتراء”. تلون المسرح بألوان البناء المختلفة، فواجهته الأمامية مصنوعة من الرخام. وتزينت جدرانه الخارجية بالأعمدة والكوات، وتصميمه الداخلي يشبه القمر في منتصف الشهر، وتحيط به الصفوف المتنوعة، والمنقسمة إلى ثلاثة صفوف، تتسع لعشرة آلاف مشاهد. وتنتشر المباني المعبرة عن ثقافة الشعب النبطي الدينية، وتتنوع بين المقابر المنحوتة كمقابر الملوك، والمقابر الأخرى كقبر القصر.

ومن الأبنية العاكسة للثقافة الدينية بناء “المذبح”، والذي بُني لتقديم القرابين الحيوانية إلى الآلهة، ويحتوي المذبح في جهته الغربية على معبدين، أحدهما يُستخدم للطواف الديني، والآخر لوضع دماء القرابين.

لا بد من الإشارة إلى الشوارع والطرق التي تربط بين أجزاء المدينة، وتنظمها وتزينها بتصميمها الهندسي وحليها المتنوعة كالأعمدة والمسننات. تكمن عظمة البتراء في تلك الصورة المختلفة الأجزاء، والمتنوعة من حيث المنشأ والحضارة والثقافة، وهو ما أكسبها التصنيف العالمي ضمن عجائب الدنيا.

البتراء: مقصد المسافرين من كل حدب وصوب

في الختام، تُعد البتراء اليوم واحدة من أهم الوجهات السياحية في العالم، وذلك لسببين: الأول هو الفن الذي تحتويه هذه المدينة، والآخر هو اهتمام الحكومة الأردنية بها من خلال بناء الفنادق، وتوفير الخدمات السياحية، والتغطية الإعلامية والإعلانية المستمرة، وإقامة مهرجان البتراء السنوي، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة والفعاليات.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

وصف لؤلؤة الجزائر: بجاية في سطور

المقال التالي

كيفية رعاية حقوق الجار وأهمية ذلك

مقالات مشابهة