الاعتداء على الأطفال: جذوره وتداعياته

نظرة شاملة على الاعتداء على الأطفال، بما في ذلك العوامل المساهمة والآثار الضارة الصحية والنفسية والاجتماعية والسلوكية والتعليمية.

مقدمة

يُعرَّف الاعتداء على الأطفال بأنه سوء المعاملة والإيذاء الذي يتعرض له الأفراد دون سن الثامنة عشرة. يمكن أن يتخذ الاعتداء أشكالًا متعددة، تشمل الإيذاء الجسدي والعاطفي، والاستغلال التجاري والجنسي، بالإضافة إلى الإهمال والابتزاز. كل هذه الأشكال من الاعتداء تلحق ضررًا فعليًا أو محتملًا بحياة الأطفال وصحتهم ونموهم، وتهدد ثقتهم بأنفسهم، وتعطل قدراتهم وإمكاناتهم على الإحساس بالمسؤولية. [1][2]

العوامل المؤدية إلى الاعتداء على الأطفال

تتضافر مجموعة من الظروف والعوامل لتؤدي إلى تفشي ظاهرة الاعتداء على الأطفال، وقد تكون هذه الظروف فردية أو مجتمعية أو ضمن العلاقات. [3][4] ومن بين الأسباب التي تسهم في وقوع الاعتداء على الأطفال ما يلي: [5]

  • نشأة الوالدين أو أحدهما في بيئة أسرية تعتبر الاعتداء على الأطفال أمرًا طبيعيًا، حيث إن تعرض أحد الوالدين أو كليهما للاعتداء في طفولتهما قد يجعلهما يعتبران العنف أمرًا معتادًا. تشير الدراسات إلى أن الطفل الذي يتعرض للاعتداء في طفولته يكون أكثر عرضة لممارسته في المستقبل.
  • حاجة المعتدي لتنفيس الضغوطات والانفعالات السلبية والغضب وغيرها من المشاعر التي يواجهها في المجتمع أو العمل.
  • تأثير الأسباب النفسية على المعتدي، مما قد يؤدي إلى عدم قدرته على السيطرة على نفسه والتصرف بعنف.
  • تأثير المشكلات الاقتصادية، التي تزيد بدورها الضغوطات على الوالدين وتشعرهما بالعجز والضعف، مثل البطالة والفقر وتراكم الديون.
  • دور الانحرافات السلوكية والأخلاقية التي تدفع الشخص إلى التصرف بعنف، مثل شرب الخمور والمسكرات.
  • تأثر الوالدين أو أحدهما بما يشاهدانه في وسائل الإعلام كالأفلام التي تشجع على العنف.
  • قصور بعض القوانين والتشريعات الحكومية المعنية بحماية الطفل من العنف.
  • قلة الثقافة والوعي بأساليب التربية السليمة والناجحة.
  • غياب أو قلة وجود المؤسسات المجتمعية التي ترصد الأطفال المعرضين أو المحتمل تعرضهم للعنف بكافة أنواعه.

تأثيرات الاعتداء على الأطفال

يحدث الاعتداء أضرارًا عديدة للأطفال على كافة المستويات الصحية والنفسية والاجتماعية والسلوكية والتعليمية. وحتى إذا لم يتعرض الطفل للاعتداء بشكل مباشر، فقد يتعرض لأضرار نفسية وعاطفية إذا كان شاهدًا على العنف بين والديه، وفقًا للأبحاث، ومن هذه الأضرار القلق والاكتئاب والانسحاب الاجتماعي. [6] فيما يلي توضيح للأضرار التي تنعكس على الطفل:

الأضرار الصحية

يسبب الاعتداء على الأطفال بكافة أشكاله، وخاصة الاعتداء الجسدي، أضرارًا صحية. قد تكون بعض هذه الأضرار واضحة كالإصابات الجسدية الناتجة عن الاعتداءات، وقد تظهر بعض هذه الأضرار على المدى البعيد، مثل النوبات القلبية وارتفاع ضغط الدم والسكري ومتلازمة التعب المزمن والسرطان وأمراض الأمعاء، بالإضافة إلى مشاكل في الرؤية والرئتين. وكمثال أكثر دقة على بعض الأمراض التي قد تنجم عن الاعتداء، زيادة احتمالية إصابتهم بالتهاب الكبد الوبائي ج والإيدز في حال تعرضهم لاعتداء جنسي. [7]

إلى جانب ذلك، هناك ارتباط بين سوء المعاملة والاعتداء ونمو الدماغ بشكل سليم، فقد تتوقف بعض المناطق في الدماغ عن النمو أو تفشل في أداء وظائفها. ومن هذه المناطق التي قد تتضرر في الدماغ بسبب سوء المعاملة على المدى البعيد، اللوزة الدماغية وهي المسؤولة عن معالجة المشاعر، وكذلك الحُصين وهو الجزء المسؤول عن التعلم والذاكرة، وأيضًا قد يتضرر المخيخ المسؤول عن الحركة والأداء الوظيفي للجسم، إلى جانب العديد من الأضرار. وعليه، فإن تضرر هذه المناطق أو بعضها بسبب الاعتداء المتواصل تجاه الطفل سينعكس دون شك بشكل سلبي على حياته وصحته. [7]

الآثار النفسية

يتسبب الاعتداء على الأطفال وإساءة معاملتهم في إحداث العديد من الأضرار النفسية لدى الطفل، مثل الإحساس بالعزلة والقلق والخوف وقلة الثقة، والتي قد تؤثر على جوانب أخرى، مثل انخفاض قدرته على التعلم أو مواجهة صعوبات في التعامل مع المشاكل وتكوين العلاقات والحفاظ عليها أيضًا. كما قد تؤدي إلى اكتئاب مزمن وفقدان احترام الذات والإحساس بقلة الأهمية. [7]

التأثيرات الاجتماعية

يواجه الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء أو اختبروا صدمات كبيرة صعوبة في حياتهم الاجتماعية تتمثل في انخفاض قدرتهم على إدارة عواطفهم والتعبير عنها، كما أن استجاباتهم العاطفية قد تكون غير متوقعة ومفاجئة. ومن ناحية أخرى، فإن أي تفاعل صعب ومجهد على الطفل الذي تعرض للاعتداء قد ينتج عنه ردة فعل عاطفية حادة. [8]

وأيضًا، فإن تعرض الطفل للاعتداء من قِبَل أسرته أو الأشخاص المقربين منه، ومن يفترض أن يقوموا بحمايته سيدفع الطفل إلى أخذ الحيطة والحذر في معاملاته عمومًا، وسيتوقع السيئ من أفراد المجتمع، وفي الغالب سيكون التفاعل معه مرهقًا ومجهدًا، وسيتخذ وضعيات دفاعية أثناء تعامله معهم، كما ستصدر عن بعض الأطفال المعتَّفين ردود فعل مرتبكة نظرًا إلى صعوبة إدارة مشاعرهم، ومن ناحية أخرى قد يتخذ البعض من البرود العاطفي وسيلة دفاعية عند تعاملهم مع الآخرين، ما قد يعرضهم مجددًا لئن يكونوا ضحية لإساءة المعاملة. [8]

النتائج السلوكية

يسبب الاعتداء ضد الأطفال ظهور بعض الظواهر السلوكية الخاطئة عليهم، منها حمل المراهقات وتعاطي المخدرات ومحاولة الانتحار، إلى جانب العديد من السلوكات العنيفة التي تصدر منهم. وتبيّن دراسة تتبّعت سلوكيات الأطفال قبل دخولهم إلى المدرسة وخلال سنوات مراهقتهم أنّ الأطفال الذين يتعرّضون للعنف المنزلي وإساءة المعاملة هم أكثر عرضةً لتجربة السلوكات المنحرفة والمعادية للمجتمع أثناء مراهَقَتهم، وفي دراسةٍ أخرى تربِط بين العنف المنزليّ والمشاكل السلوكيّة تبيّنَ أنّ ازدياد الصدمات في حياة الطفل والعنف الذي يتعرّض له، يرفع من احتمالية وقوعه في المشاكل السلوكيّة.[9]

التأثيرات التعليمية

يؤثّر الاعتداء ضدّ الطفل وإساءةِ معاملتِه على قدراته التعلّمية، وخصوصاً في السّنوات الأولى من عمره، إذ قد يواجه ضعفاً واضحاً في تعلّم اللغة والكلام، ومن ناحية أخرى فقد أثبتت الدراسات أنّ هناك علاقة واضحة بين إساءة معاملة الطفل وتدنّي تحصيله العلميّ في المدرسة، وأيضًا فإنّ إحدى الدراسات الحديثة أثبتت أنّ نوع الاعتداء أو الإساءة التي يتعرّض لها الطفل يؤثّر سلبًا وبدرجات متفاوتة على مهارات القراءة لديه، وعلى قدرته على التعامل مع الأرقام.[10]

المراجع

  1. ↑”Child maltreatment”,www.who.int,2020-6-8، Retrieved 2020-8-14. Edited.
  2. ↑”The Issue of Child Abuse”,www.childhelp.org, Retrieved 2020-8-14. Edited.
  3. ↑TARANA PARVEEN (2015),CHILD ABUSE IN TONY MORRISON’S “THE BLUEST EYE”, India: INTERNATIONAL JOURNAL OF ENGLISH LANGUAGE, LITERATURE AND TRANSLATION STUDIES, Page 221. Edited.
  4. ↑”Child Abuse”,www.psychologytoday.com, Retrieved 2020-8-14. Edited.
  5. ↑جامعة البتراء،المقدمة، الأردن، صفحة 1-2. بتصرّف.
  6. ↑”Internalization And Social Learning Theory Young People Essay”,www.ukessays.com,2018-11، Retrieved 2020-8-14. Edited.
  7. ^أبت- (2019-4),Long-Term Consequences of Child Abuse and Neglect, United States: U.S Department of health and human services, Page 2,3. Edited.
  8. ^أب” What is Child Trauma?”,www.nctsn.org, Retrieved 2020-8-14. Edited.
  9. ↑Wasirwa Wanda (2013),INSIGHTS INTO DOMESTIC VIOLENCE IN BUSOBA SUBCOUNTY, -: academia.edu, Page 2. Edited.
  10. ↑Cathryn Hunter (2014-1),”Effects of child abuse and neglect for children and adolescents”،aifs.gov.au, Retrieved 2020-8-14. Edited.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

العناصر السائلة في الدورة الحديثة

المقال التالي

اعتداءات الأطفال: تداعياتها السلوكية والعاطفية

مقالات مشابهة