فهرس المحتويات
تلاقح الأعراق والثقافات
اتسعت رقعة الدولة العباسية في العصر الذهبي لتشمل مناطق شاسعة من الشرق إلى الغرب، مما أدى إلى تمازج فريد بين مختلف الأعراق والثقافات. هذا التفاعل الثقافي أثرى الحضارة العربية الإسلامية بشكل كبير.
كان للعرب دور محوري في هذا التمازج، حيث تفاعلوا مع مختلف الشعوب التي انضوت تحت لواء الدولة الإسلامية. الزواج من نساء من مختلف الجنسيات، وتبني نظام الولاء، ساهم في خلق مجتمع متعدد الأعراق والثقافات. الإسلام ساهم في توحيد هذه الشعوب، حيث أصبحت اللغة العربية هي لغة التواصل والعلم.
أصبح الموالي يتبوؤون مناصب هامة في الدولة، وأتقنوا اللغة العربية، مما ساهم في إثراء الثقافة العربية بمعارف وعلوم مختلفة. الفرس كانوا من أوائل من تفوقوا في اللغة العربية والعلوم، فظهر منهم علماء كبار في الفقه واللغة والأدب. نبغ منهم الإمام أبو حنيفة وتلامذته في الفقه، وسيبويه في العربية، وابن المقفع في الكتابة، وأبو نواس في الشعر.
هؤلاء العلماء نقلوا ثقافاتهم ومعارفهم إلى اللغة العربية، مما أدى إلى تشكيل الحضارة العربية الإسلامية. هذه الحضارة استوعبت فلسفات ومعارف طبية وعسكرية وزراعية من مختلف الثقافات، وصاغتها في قالب عربي. ولكن يجب التنبيه إلى أن بعض هؤلاء قد أخفوا نوايا خبيثة، مثل عبد الله بن سبأ الذي أثار الفتنة على عثمان رضي الله عنه، وادعى أن روح النبي صلى الله عليه وسلم حلت في علي رضي الله عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض” [البخاري].
وقال تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” [آل عمران: 103].
[1][2]النهضة العلمية
حث الإسلام على طلب العلم في كل جوانب الحياة، سواء الدينية أو الدنيوية. هذا التشجيع أدى إلى ازدهار العلوم في العصر العباسي الأول. انتشرت الكتاتيب التي تعلم الأطفال القراءة والكتابة وعلوم الدين والحساب. ظهر المعلمون والمؤدبون الذين يقومون بتعليم العامة والخاصة. كان المفضل الضبي مؤدباً للخليفة المهدي، والكسائي معلماً للرشيد وابنيه الأمين والمأمون، وقطرب مؤدباً للأمين وأبناء أبي دلف العجلي.
ازدهرت الأسواق الأدبية في البصرة، حيث كان الشباب يتعلمون الفصاحة. كان اللغويون يذهبون إلى البوادي لتعلم اللغة العربية الفصحى. المساجد تحولت إلى معاهد علمية، حيث كانت تعقد حلقات للفقه والحديث والنحو واللغة والتفسير والقصص وعلم الكلام والشعر. ظهرت طائفة من “المسجديين” الذين كانوا يرتادون هذه الحلقات. هذه الحلقات خرج منها علماء متخصصون كأبي حنيفة في الفقه، والأصمعي في الأدب واللغة، وسيبويه في النحو.
[3]حركة الترجمة
اهتم الخلفاء العباسيون بحركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، وأنفقوا عليها الأموال الطائلة. الخليفة المنصور اهتم بنقل كتب الفلك، وعين مترجمين أسلموا، مثل نوبخت الفارسي. دفع المنصور أموالاً كثيرة للمترجمين لترجمة كتب كليلة ودمنة والسند هند، وكتب أرسطوطاليس المنطقية، وكتاب المجسطي لبطليموس، وكتاب الأرثماطيقي وكتاب إقليدس. كما طلب من جورجيس بن جبريل بن بختيشوع ترجمة الكتب الطبية.
ازدهرت حركة الترجمة في عهد الرشيد ووزرائه البرامكة. أنشأ الرشيد دار الحكمة، وجعل فيها مترجمين لترجمة كتب الطب والزراعة، وإعادة ترجمة الكتب السابقة بدقة أكبر. اهتم البرامكة بترجمة التراث الفارسي. بلغت حركة الترجمة أوجها في عهد المأمون، حيث حول دار الحكمة إلى معهد علمي للترجمة، وبنى فيها مرصداً تحول إلى مدرسة رياضية فلكية. وظف المترجمين الذين نقلوا تراث الفارسية واليونانية والهندية في شتى مجالات العلوم، ولم يتركوا مجالاً إلا وترجموه وزادوا عليه، ليس فقط في العلوم، بل في الصناعات والأسمار والخرافات والملل والنحل.
[4]المراجع
- شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 3- 89- 98. بتصرّف.
- “تحميل كتاب الحياة العلمية والثقافية في بلاد الشام في العصر العباسي الثاني”، مكتبة نور، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2022. بتصرّف.
- شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 3- 98- 109. بتصرّف.
- شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 3- 109- 118. بتصرّف.