مقدمة عامة
يُعد الاقتصاد الياباني من بين الأكبر والأكثر تطوراً على مستوى العالم. وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، يقارب الناتج المحلي الإجمالي لليابان 5 تريليونات دولار. يتميز الاقتصاد الياباني بتوجهه نحو السوق وتطوره المستمر. لا شك أن قطاع الإنتاج يلعب دوراً حيوياً في هذا الاقتصاد.
تتميز الصناعات اليابانية بالابتكار والتطور، وتشتهر بإنتاج العناصر الدقيقة والتكنولوجيا المتقدمة، مثل السيارات الهجينة والروبوتات والأجهزة البصرية. الشركات اليابانية رائدة عالمياً في مجالات الإنتاج والتقدم التكنولوجي، ومعروفة بجودة منتجاتها وتقنياتها المتطورة.
اليابان عضو في مجموعة الدول الصناعية السبع (G7)، وهي دولة مصدرة للعديد من المنتجات. في عام 2018، بلغت قيمة الصادرات اليابانية حوالي 738.2 مليار دولار أمريكي، وكانت المركبات هي أهم الصادرات بنسبة 21%، تليها الآلات، بما في ذلك أجهزة الحاسوب، بأكثر من 20%. تتجه الصادرات اليابانية إلى دول آسيوية (حوالي 58%) وأمريكا الشمالية (حوالي 22%).
أهم القطاعات الإنتاجية
تشمل القطاعات الإنتاجية الرئيسية في اليابان ما يلي:
الصناعات المعملية
تساهم الصناعات المعملية بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان. هذه الصناعات متنوعة ومتطورة، وتشمل تصنيع السيارات والإلكترونيات والألياف الضوئية والكيمياء الحيوية وأشباه الموصلات والإلكترونيات الضوئية وآلات النسخ والوسائط الضوئية. تركز اليابان على العناصر ذات التقنية العالية والدقة. تتركز الأنشطة الصناعية في مناطق محددة مثل منطقة كيهين الصناعية ومنطقة هانشين الصناعية.
صناعة الأجهزة الإلكترونية
اليابان هي المنتج الأول عالمياً للأدوات الآلية الموجهة بالكمبيوتر، وتحتل المرتبة الثالثة عالمياً كأكبر مصنع للإلكترونيات. تضم اليابان ثلاث شركات من بين أكبر عشر شركات لتصنيع أشباه الموصلات في العالم. في عام 2018، بلغت قيمة الإنتاج الإجمالية في مجال الإلكترونيات حوالي 107.8 مليار دولار أمريكي، معظمها من تصنيع العناصر الإلكترونية والأجهزة مثل الدوائر الإلكترونية المتكاملة. نما هذا القطاع بسبب الطلب الكبير من الخارج والطلب المحلي على الأجهزة الكهربائية الاستهلاكية والإلكترونيات.
تتبنى اليابان شعار “الابتكار والتصغير والجودة العالية” في تصنيع الإلكترونيات. بدأت بتطوير صناعة الإلكترونيات منذ الستينيات، حيث أنتجت أجهزة الراديو والترانزستور وأجهزة التلفزيون الملون. في السبعينيات والثمانينيات، عملت على تصنيع الإلكترونيات متعددة الأوجه كالإلكترونيات الاستهلاكية وأدوات الآلات الموجهة بالكمبيوتر. ثم طورت الصناعة الإلكترونية في التسعينيات وما بعدها، فأنتجت أشباه الموصلات وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة الطرفية للكمبيوتر.
صناعة المركبات
تعتبر اليابان ثاني أكبر سوق للسيارات في العالم، وتتميز صناعتها للسيارات باستعمال تقنيات تكنولوجية تضيف عامل السرعة على مختلف وسائل النقل التي تصنعها كالدراجات، والدراجات النارية، والحافلات، والقطارات. تلتزم اليابان بمعايير بيئية جديدة تعد الأكثر صرامة في العالم، وتزداد إنتاجيتها لتغطية الاستهلاك المحلي بالإضافة إلى التصدير وبشكل رئيسي إلى دول الاتحاد الأوروبي. تبلغ قيمة إنتاج هذا القطاع نحو 436.9 مليار دولار أمريكي، ويعمل فيه أكثر من 5.45 مليون شخص. أصبحت صناعة السيارات في اليابان خلال فترة التسعينيات واحدة من أكبر الصناعات في العالم بفضل تطور تقنيات التصنيع المعتمدة على الروبوتات التي ظهرت في السبعينيات، مما أدى إلى انخفاض تكلفة الإنتاجية والسماح بتجميع القطع بشكل أكثر دقة. سوق السيارات الياباني أحد أكثر الأسواق ريادة في العالم، وتبرز أيضاً في مجال تصنيع السيارات الصغيرة والتي تستهدف السوق المحلي الياباني.
صناعة بناء السفن
تطورت صناعة السفن في اليابان عبر التاريخ، وقد بدأت هذه الصناعة بالازدهار بعدما تمكنت الحكومة من شراء إحدى أكبر الشركات القابضة اليابانية والاستثمار بها عن طريق شراء معدات جديدة. وقد احتلت اليابان المرتبة الثالثة عالمياً من حيث صناعة السفن في فترة نهايات الحرب العالمية الأولى، أما خلال الحرب العالمية الثانية فقد تركزت صناعة السفن في اليابان على صناعة السفن العسكرية، فكانت تنتج السفن بكميات كبيرة، إلا أنها لم تكن تهتم بالجانب التكنولوجي بقدر الاهتمام بكمية الانتاج، ولكنها استعادت جودتها بعد انتهاء الحرب باستعمال المعدات والتكنولوجيا الجديدة المستوردة، وبحلول عام 1957م تجاوز إنتاج اليابان للسفن إنتاج أي وقت مضى واحتلت المرتبة الأولى من حيث الانتاج ومن حيث سعة حمولة السفن، ولا تزال إلى اليوم بالمرتبة الأولى عالمياً من حيث إنتاج السفن بالتنافس مع كوريا الجنوبية، وهي تنتج نحو 38٪ من إجماليّ الإنتاج العالميّ للسفن.
الزراعة
تفتقر اليابان نسبياً إلى الأراضي الصالحة للزراعة؛ حيث تصل نسبة الأراضي الزراعية بما يقدّر بنحو 12% من إجمالي مساحة اليابان، إلّا أنّ قطاع الزراعة يساهم بحوالي 1.4٪ من الناتج المحليّ الإجماليّ، وذلك بفضل اتباع نظام زراعة المصاطب الصغيرة، وعليه فإنّ قطاع الزراعة يلعب دوراً مهمّاً في اقتصاد اليابان، ويمنح الدولة اكتفاءاً ذاتيّاً بنسبة 50% من احتياجاتها الزراعيّة، كما تعدُّ اليابان الدولة الأعلى في العالم من حيث الإنتاجيّة من المحاصيل لكل وحدة مساحة، وتجدر الإشارة إلى أن المساحة المزروعة فيها لا تتجاوز 56,656 كم مربّع.
إن من أهمّ المنتجات الزراعيّة التي تنتجها اليابان هو الأرز؛ إذ تحتلّ اليابان المرتبة 10 عالميّاً من حيث إنتاج الأرز، فيمثّل الأرز أكبر ناتج محليّ من الحبوب، ووصلَ الناتج المحليّ للأرز لعام 2018م إلى حوالي 10.7 مليون طن، وتعدُّ البلاد مكتفية ذاتيّاً من الأرز، ولكنّها تستورد 50% من احتياجاتها من للحبوب الأخرى والأعلاف، وخاصّةً فول الصويا والقمح، ومن المحاصيل الزراعيّة المهمّة أيضاً الماندرين، والذي يضع اليابان في قائمة أكثر الدول إنتاجاً للمندرين أو ما يُعرف باسم اليوسفي؛ ففي عام 2016م وصلَ إجماليّ الناتج المحليّ من المندرين إلى نحو 805,000 طن، وهو يعادل 2.5٪ من إجمالي حجم الإنتاج العالمي.
صيد الأسماك
تتنوّع وسائل الصيد في اليابان؛ فمنها القوارب متوسطة الحجم التي تساهم بحوالي 50% من إجماليّ ناتج الصيد للأسماك في اليابان، أمّا المزارع والمفرخات السمكيّة فتشكّل ما نسبته 30% من إجماليّ ناتج الصيد، والباقي مسؤولة عنه السفن الكبيرة التي تعتمد آليّة الصيد العميق، ويوجد في اليابان نحو 300 نوع من الأسماك الموجود في الأنهار، ومن أكثرها شيوعاً سمك الشوب، والسلور، والرنكة، وجراد البحر، وسرطان البحر، والكركند، وغيرها، أمّا الأسماك التي يتم اصطيادها من مياه البحر فتشمل سرطان البحر، والماكريل، والتونة، والسردين، والبولوك، وسمك السلمون، والمحار، والتراوت، والحبار، وغيرها. وقد أنتجت اليابان نحو 4.4 مليون طن من الأسماك في عام 2018م، وهو ما يعادل 15% من إجماليّ كميّة الإنتاج العالمي من صيد الأسماك.
القطاع السياحي
يتنامى قطاع السياحة في اليابان سنويّاً، وبلغ عدد السيّاح إلى اليابان في عام 2018م حوالي 31 مليون سائح، كما ساهمَت السياحة في عام 2017م بنحو 22.6 مليار دولار أمريكي، ووفر هذا القطاع ما يقدّر بحوالي 1.1 مليون وظيفة، ويتوقّع أن يصل عدد السيّاح إلى 40 مليون سائح لعام 2020م بفضل انعقاد دورة الألعاب الأولمبية الصيفيّة في اليابان، وتعدّ السياحة قطاعاً قابلاً للنموّ بشكلٍ مستمرّ، فهو يشمل العديد من القطاعات المختلفة الأخرى والمتمثلة بقطاع الضيافة، والمطاعم، والإقامة، والنقل، ووكالات السفر، والترفيه، ولذلك فمن الممكن أن يكون قطاع السياحة أحد المحركات المحتملة للاقتصاد اليابانيّ، وبالرغم من الجهود الحكوميّة للنهوض بهذا القطاع إلّا أنّ ازدهاره محدودٌ نسبيّاً، وفي المقابل نما سوق السفر الخارجيّ اليابانيّ؛ إذ وصلَ عدد الأشخاص المسافرين إلى خارج اليابان نحو 19 مليون مسافر.
يوجد في البلاد العديد من المعالم السياحيّة مثل قلعة هيميجي، كما تشتهر ببعض المدن الجاذبة للسيّاح، ومن أشهرها العاصمة طوكيو التي تضمُّ العديد من الأماكن السياحية كحي شيبويا، وحي شنجوكو، ومنطقة أساكوسا، ومنطقة غينزا، كما تحتوي اليابان على بعض المناطق والمدن السياحيّة الأخرى مثل مدينة كيوتو، وأوساكا، ومحافظة هوكايدو التي يوجد فيها العديد من منتجعات التزلج، والفنادق الفاخرة، والمطاعم، وأماكن الترفيه.
صناعات متنوعة
تلعب قطاعات إنتاجية أخرى في اليابان دوراً هاماً في النمو الاقتصادي، ويعد قطاع التعدين والتنقيب عن النفط أحد هذه القطاعات الكبيرة. وقد اكتُشفت في المناطق الساحلية اليابانية رواسب كبيرة من المعادن الأرضية النادرة. كما تشمل الصناعات المهمة قطاع الخدمات الذي يساهم بنحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي، ويضم قطاعات مثل العقارات والتأمين والتجزئة والخدمات المصرفية والاتصالات والنقل. إضافة إلى ذلك، تبرز صناعات الكيماويات والبتروكيماويات والآلات والمنسوجات والملابس وإنتاج الصلب والأغذية المصنعة ومعدات الاتصالات.
تطور الإنتاج عبر التاريخ
مرّ قطاع الإنتاج في اليابان بثلاث مراحل رئيسية خلال التوسع الاقتصادي:
- المرحلة الأولى: من عام 1868م حتى عام 1918م، شهدت اليابان تحولاً من مجتمع إقطاعي إلى قوة عالمية كبرى، ونما قطاع الصناعة بشكل أسرع من القطاعات الأخرى.
- المرحلة الثانية: خلال فترة ما بعد الكساد العالمي، تعافت اليابان بسرعة، ونما قطاع الصناعة، خاصة الصناعات الثقيلة.
- المرحلة الثالثة: بعد الحرب العالمية الثانية، نهض قطاع الصناعة باقتصاد اليابان، ولكن قطاعا التجارة والتمويل كانا أسرع نمواً.
بعد هذه المراحل، استمر قطاع الإنتاج في النمو. خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تجاوز معدل النمو الصناعي في اليابان معدل النمو في أي بلد صناعي آخر. وبحلول منتصف الثمانينيات، امتلكت اليابان 4 شركات صناعية من بين أكبر 26 شركة صناعية على مستوى العالم. في عام 1997، ساهمت الصناعة بنحو 38% من الناتج المحلي الإجمالي ووفرت عملاً لنحو 33% من القوى العاملة. بحلول عام 1998، تراجعت الصناعة في اليابان بسبب الأزمة المالية الآسيوية، وانخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 2.7% في عام 1999، ثم ارتفع مؤقتاً بنسبة 5.3% في عام 2000، لكنه عاد للتراجع في عام 2001 بنسبة كبيرة وصلت إلى 8.3%.
أثر الإنتاج على الاقتصاد
يُعد الاقتصاد الياباني من بين الأكبر والاكثر تطوراً على مستوى العالم ويحتل مرتبة متقدمة عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي. ولقد ساهم قطاع الإنتاج في جعل اليابان واحدة من أكثر الدول ابتكاراً في العالم في إنتاج السلع الإلكترونية وبراءات الاختراع. وتشكل العناصر المصنعة الجزء الأكبر من الصادرات الرئيسية من اليابان، بما في ذلك السيارات وقطع غيارها وآلات توليد الطاقة ومنتجات الحديد والصلب وأشباه الموصلات والمواد البلاستيكية.
المناطق الصناعية
يتركز النشاط الاقتصادي والصناعي في اليابان في عدد من المناطق الرئيسية، ومن أبرزها:
- منطقة توهوكو: متخصصة في تصنيع الطاقة المتجددة وأشباه الموصلات والسيارات والمعدات الطبية. تشمل مدن سنداي وأكيتا وآوموري وفوكوشيما وموريوكا وياماغاتا.
- منطقة تشوبو: متخصصة في الصناعات اليابانية المتقدمة، وتساهم بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي وتنتج 25% من المنتجات الصناعية. تقع على حدود منطقتي كانتو وتوهوكو، وأكبر مدينة فيها هي ناغويا.
- جزيرة شيكوكو: أصغر جزر اليابان وتشتهر بالزراعة ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية ومعالجة الأغذية، إضافة إلى صناعة السفن والإلكترونيات والورق.