لمحة عن كنيسة المهد
تُعد كنيسة المهد من أبرز وأقدس الكنائس المسيحية على مستوى العالم. تقع في قلب مدينة بيت لحم بفلسطين، وتمثل نقطة محورية للزوار المسيحيين، خصوصاً خلال احتفالات عيد الميلاد. يرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن الكنيسة شُيدت فوق المغارة التي شهدت ولادة السيد المسيح عليه السلام. وتضم الكنيسة رسومات ونقوشا تعود إلى الرهبان والقديسين، بالإضافة إلى صور الملوك الصليبيين الذين تركوا بصمتهم على هذا المكان المقدس.
الرمزية التاريخية لكنيسة المهد
تزخر كنيسة المهد بتاريخ عريق وأهمية لا تقدر بثمن، تتجلى فيما يلي:
- تعتبر كنيسة المهد أول موقع يتم تسجيله كموقع أثري على لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، مما يؤكد على قيمتها العالمية وأهميتها الثقافية.
- تُصنف كنيسة المهد كواحدة من أقدم الكنائس في العالم التي لا تزال تشهد إقامة الصلوات والطقوس الدينية بشكل مستمر منذ بداية الستينيات وحتى يومنا هذا، مما يعكس استمرارية إرثها الروحي.
- تعد الكنيسة الأولى ضمن مجموعة الكنائس الثلاث التي أمر ببنائها الإمبراطور قسطنطين الكبير بعد تحول المسيحية إلى دين الدولة، وذلك استجابة لطلب الأسقف ماركوس، مما يبرز دورها في تاريخ المسيحية المبكر.
- تتبع الطقوس الدينية في كنيسة المهد تقاليد الكنيسة الأرثوذكسية، مع وجود زوايا مخصصة للطوائف الأخرى مثل السريان والأقباط والأرمن، حيث تمارس كل طائفة طقوسها الخاصة، مما يجسد الوحدة في التنوع.
- تم إدراج كنيسة المهد ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو في 28 يونيو 2012 بناءً على طلب من الجانب الفلسطيني، مما يعكس الاعتراف الدولي بأهميتها.
تطورات بناء كنيسة المهد
مرت كنيسة المهد بعدة مراحل من البناء والتجديد عبر التاريخ:
- قام الإمبراطور قسطنطين ووالدته ببناء الكنيسة الأولى فوق المغارة التي شهدت ميلاد السيد المسيح، وتميزت الكنيسة بتصميمها المعماري العثماني.
- في القرن الرابع الميلادي، قام الإمبراطور جستنيان ببناء الكنيسة الثانية، والتي تميزت بجمالها وفخامتها، حيث كانت أرضيتها مغطاة بالفسيفساء، وتزينت بأعمدة من الحجر الجيري الرائع، بالإضافة إلى اللوحات الفنية التي تصور القديسين.
- أمر الإمبراطور جستنيان بإعادة بناء الكنيسة في عام 565 بعد تعرضها للحريق خلال ثورة السامريين في عام 520، لتصبح بذلك أكبر كنيسة في فلسطين.
- أثناء إعادة البناء في عهد الإمبراطور يوستنيان، تم توسيع البهو وإضافة ثلاثة أماكن للصلاة، بالإضافة إلى إنشاء درجات تسهل الوصول إلى المغارة التي ولد فيها المسيح عليه السلام، وذلك لتشجيع الزوار على التأمل في التجسد الإلهي.
- تضم الكنيسة نجمة فضية ذات أربعة عشر شعاعًا، تمثل الطوائف المسيحية المختلفة، وتحمل نقشًا باللغة اليونانية نصه: “هنا ولد يسوع من السيدة العذراء”.
- من أبرز معالم الكنيسة التي بناها قسطنطين وجود مثمن يضم فتحة تؤدي إلى مغارة الميلاد، حيث توجد المذود والنجمة. وإذا نظر الزائر غربًا، فسيجد بهوًا يطل على مدينة بيت لحم.
- تضم الكنيسة عدة كنائس فرعية تابعة لطوائف مختلفة، مثل الكنائس اللاتينية والأرثوذكسية واليونانية والأرمينية والفرنسيسكانية، بالإضافة إلى أبراج الجرس وطريق الحج.
- لطالما كانت الكنيسة ملجأ لسكان بيت لحم خلال الأزمات والحروب، حيث كانوا يعتقدون أنها لا يمكن الاعتداء عليها لكونها موقعًا دينيًا له أهميته وقدسيته.
الصعوبات التي واجهت كنيسة المهد
شهدت كنيسة المهد العديد من الأحداث التاريخية والتحديات، ومن أبرزها:
- في القرن الحادي عشر، قام الصليبيون بتضييق المدخل الرئيسي للكنيسة لحمايتها من الغزاة، وذلك لأهميتها الدينية والتاريخية. وقد نجت الكنيسة من العديد من الظروف الصعبة وظلت صامدة حتى يومنا هذا.
- يقال أن الفارسيين قاموا بحماية الكنيسة من الغزاة تقديسًا لصورة رجل مجوسي يرتدي الزي الفارسي موجودة داخل الكنيسة.
- تم دمج الأبواب الثلاثة للكنيسة في باب واحد صغير مستطيل الشكل، أطلق عليه “باب التواضع”، وذلك لمنع دخول العربات والخيول إلى الموقع المقدس.
- على الرغم من كل الحماية التي حظيت بها الكنيسة، إلا أنها لم تسلم من صراعات الطوائف المسيحية المختلفة، مثل الأرثوذكس اليونانية والروم الكاثوليكية والأرمن الأرثوذكس. وقد تفاقم الوضع بعد سرقة النجمة الفضية التي تحدد الموقع الدقيق لميلاد السيد المسيح.
- أدت حرب القرم (1845-1856) إلى تقسيم الكنيسة بين هذه الطوائف.
في الختام، تجدر الإشارة إلى أن أهمية كنيسة المهد لا تقتصر على الديانة المسيحية فقط، بل تتعداها إلى الديانات الأخرى، فهي تمثل صرحًا دينيًا وتاريخيًا يجب الحفاظ عليه من أي اعتداء.