تمهيد عن الأضحية
الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونتوب إليه من كل ذنب، ونؤمن به ونتوكل عليه. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. الحمد لله الذي جعل الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام في أيام العيد، نتقرب بها إليه سبحانه وتعالى. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الحث على التقوى
أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، فتقوى الله هي سبيل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. اجتنبوا معاصيه واتبعوا أوامره، فإنها النجاة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
الجزء الأول: شروط الأضحية
أيها المؤمنون، لقد شرع الله لنا الأضحية في أيام العيد، وهي من فضله وإحسانه علينا، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وفيها اتباع لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد بينت الشريعة الإسلامية شروطًا وضوابط للأضحية المقبولة، منها أن تكون من بهيمة الأنعام، وأن تكون خالية من العيوب الظاهرة.
وقد جاء في الحديث الذي رواه البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعٌ لا يجْزينَ في الأضاحي: العوراءُ البيِّنُ عورُها، والمريضة البيِّنُ مرضُها، والعرجاء البيِّن ظلعُها والعجفاء التي لا تُنْقي).
- العوراء: هي التي فقدت عينها، وإذا كان بياض العين باقياً مع وجود الحدقة وعدم الرؤية، ففي هذه الحالة يجوز التضحية بها. أما العمياء التي فقدت بصرها بالكامل، فلا تجوز في الأضحية.
- المريضة البين مرضها: هو المرض الظاهر الذي يؤثر على لحم الأضحية ويجعله غير صالح، أما إذا كان المرض خفيفاً لا يؤثر على اللحم، فيجوز التضحية بها.
- العرجاء البين عرجها وظلعها: هي التي يكون عرجها واضحاً بحيث تتأخر عن القطيع في المشي، ولا يجوز التضحية بالمقطوعة اليد أو الرجل. أما إذا كان العرج يسيراً ولا يؤثر على حركتها، فيجوز التضحية بها.
- العجفاء: هي الهزيلة التي لا يوجد في عظامها مخ بسبب شدة الهزال والضعف.
الجزء الثاني: أهمية سلامة الأضحية
إن هذه الشروط في الأضحية تدل على أهمية أن تكون سليمة وطيبة، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً. لذلك، لا تجوز الأضحية بالبهيمة العوراء أو العمياء أو مقطوعة الأذن أو الذنب، أما التي ولدت بلا ذنب فيجوز التضحية بها، وكذلك لا تجوز التضحية بمقطوعة الإلية، بينما يجوز التضحية بالبهيمة التي ولدت بلا إلية.
ويكره أيضاً وجود بعض العيوب في البهيمة المراد التضحية بها، مثل الخرق في الأذن أو شقها. والأصل أن يحرص المسلم على شراء أضحية سليمة وطيبة، وإذا حدث عيب بعد ذلك بدون تقصير منه، فلا يلزمه شراء أضحية أخرى، لأن ذلك قد يسبب له المشقة والعناء.
وقد قسم العلماء عيوب الأضحية إلى قسمين: ما ورد به النص، وهي العيوب المذكورة في حديث البراء بن عازب، وما قاس عليها العلماء من العيوب الأخرى، إما لأنها أشد منها كالعمياء والشلاء، أو لأنها مساوية لها في العلة من حيث التأثير على القيمة أو اللحم.
نسأل الله أن يبارك لنا في الكتاب والسنة، وأن ينفعنا وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة. أستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الدعاء
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، الدّاعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلِّم تسليماً كثيراً، أمَّا بعد،
يا معاشر المُسلمين، اعلموا أنّ الله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاةُ والسلام- حثاً على اختيار البهيمة كاملة الصفات، البعيدة عن العيوب للتضحية بها، فيحرص المُضحي عند اختياره لأُضحيته أن تكون طيبة، بعيدةٍ عن النقص والعيب، فكان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يحث الصحابة الكرام على النظر إلى عين وأُذن البهيمة عند اختيارها، وكُلما كانت الأُضحية كاملة الصفات طيبة، وغلا ثمنها كُلما كان الأجر أعظم وأكبر.
اللهم تقبّل منّا الصيام والقيام، وارزقنا بركات العيد.
اللهم آتنا في الدُنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وتوفنا مع الأبرار يا أرحم الراحمين.
اللهم إنّا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللَّهمّ إنَّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسّلامة من كُلِّ إثم، والغنيمة من كُلِّ بِرٍّ، والفوز بالجنَّة، والنّجاة من النَّار.
اللهم اجعل القُرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء هُمومنا وغُمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نُسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُرضيك عنا يا رب العالمين.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمُنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروه يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.