مقدمة
تعتبر القواعد الفقهية من أهم الأدوات التي يعتمد عليها الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها على مختلف جوانب الحياة. تنقسم هذه القواعد إلى قسمين رئيسيين: قواعد كلية كبرى وقواعد فرعية. يركز هذا المقال على استعراض الأسس الفقهية الكلية الخمسة، التي تعتبر ركائز أساسية في الفقه الإسلامي، نظراً لشموليتها وعموميتها، والتي تتفرع منها العديد من الفروع الفقهية الأخرى.
أهمية النية في الأفعال
تعتبر قاعدة “الأمور بمقاصدها” من أبرز القواعد الفقهية، وتعني أن قيمة الأعمال والشؤون تعتمد على النوايا التي تقف وراءها. يستند هذا الأصل إلى الحديث النبوي الشريف الذي رواه الشيخان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ). وتتفرع عن هذه القاعدة عدة فروع، منها:
- ما لا يشترط فيه التعيين التفصيلي: إذا أخطأ المسلم في تعيين أمر لا يشترط فيه التعيين الدقيق، فلا يترتب على ذلك أي إشكال.
- ما يشترط فيه التعيين: إذا كان التعيين شرطاً، فإن الخطأ فيه يبطل العمل.
- ما يشترط فيه التعيين الإجمالي: إذا اشترط التعيين بشكل عام، فإن الخطأ فيه يؤثر على صحة العمل.
- الإخلاص في النية: يجب أن تكون النية خالصة لله تعالى، وأي إشراك يفسد العمل.
قاعدة اليقين
تفيد قاعدة “اليقين لا يزول بالشك” بأنه إذا تيقن الإنسان من أمر ما، فلا يمكن أن يزول هذا اليقين بمجرد الشك. اليقين هو الاعتقاد الجازم، بينما الشك هو التردد بين أمرين. ومن الفروع المتفرعة عن هذه القاعدة:
- الأصل بقاء الحال على ما هو عليه.
- ما ثبت في زمن يحكم باستمراره ما لم يظهر خلافه.
- الأصل هو العدم.
- الأصل براءة الذمة.
- يُنسب الحادث إلى أقرب وقت ممكن.
- لا قيمة للدلالة في وجود تصريح مخالف لها.
- السكوت في موضع الحاجة يعتبر بياناً.
- لا يعتد بالظن إذا تبين خطؤه.
- لا اعتبار للوهم.
- الأصل في الصفات الطارئة هو العدم.
- من شك في فعل شيء فالأصل أنه لم يفعله.
- إذا تيقن الفعل وشك في الكمية بنى على الأقل.
- الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على التحريم (وهذا رأي الجمهور، بينما يرى أبو حنيفة العكس).
- الأصل في الأبضاع التحريم.
- الذمة لا تبرأ إلا بيقين.
- لا حجة مع الاحتمال الناتج عن دليل.
التيسير عند الصعوبة
تعتبر قاعدة “المشقة تجلب التيسير” من أهم مظاهر سماحة الشريعة الإسلامية، وتستند إلى قول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). تعني هذه القاعدة أن الشريعة الإسلامية تخفف الأحكام عند وجود مشقة، وذلك من خلال الرخص الشرعية المختلفة. ومن القواعد الفرعية المنبثقة عنها:
- إذا ضاق الأمر اتسع.
- الضرورات تبيح المحظورات.
- الضرورات تقدر بقدرها.
- يسقط الواجب بالعجز عنه.
- الميسور لا يسقط بالمعسور.
إزالة الضرر
تؤكد قاعدة “الضرر يزال” على أن الشريعة الإسلامية تحرم إلحاق الضرر بالآخرين، وتستند إلى الحديث النبوي الشريف: (لا ضررَ ولا ضِرارَ). تتفرع عن هذه القاعدة العديد من الفروع، وهي تتداخل مع قاعدة المشقة تجلب التيسير. ومن أهم هذه الفروع:
- يجب دفع الضرر قدر الإمكان.
- لا يجوز إزالة الضرر بضرر مماثل.
- يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام.
- يتم اختيار أخف الضررين عند التعارض.
- درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
العرف كمصدر تشريعي
تعني قاعدة “العادة محكمة” أن العرف والعادة المتبعة بين الناس تعتبر مرجعاً في الأمور التي لا يوجد فيها نص شرعي واضح. العرف هو ما استقر في نفوس الناس وتعارفوا عليه، بينما العادة هي الفعل المتكرر. ومن القواعد المتفرعة عن هذه القاعدة:
- عادة الناس حجة يجب العمل بها.
- تعتبر العادة معتبرة إذا كانت مطردة أو غالبة.
- العبرة بالغالب وليس بالنادر.
- العرف الذي يحمل عليه اللفظ هو العرف السابق لا المتأخر.
- تترك الحقيقة بدلالة العادة.
- الكتاب كالخطاب.
- إشارة الأخرس كبيان الناطق.
- المشتهر عرفاً كالمشروط شرطاً.
- ما يتعين بالعرف كالذي يتعين بالنص.
- ما يعرف بين التجار بالعرف كالشرط بينهم.
- تغير الأحكام الاجتهادية لا يُنكر إذا تغيّر الزمان.