مقدمة
يعتبر الشعر مرآة تعكس صورة المجتمع في كل عصر، وشعر الحقبة الجاهلية ليس استثناءً. فقد حمل هذا الشعر في طياته مجموعة من الأخلاق والقيم المجتمعية النبيلة التي كانت سائدة في تلك الفترة. وعلى الرغم من الصورة النمطية التي قد يتخيلها البعض عن العربي الجاهلي، إلا أن الحقيقة تشير إلى وجود جوانب إنسانية عميقة تجلت في إغاثة المحتاج، ودعم الضعيف، وإكرام الضيف. هذه المعاني وغيرها يمكن تتبعها في ثنايا القصائد الجاهلية، وخاصة المعلقات.
السخاء والجود
لم يقتصر مفهوم الكرم عند العرب على الجانب المادي فحسب، بل تعداه ليشمل الكرم المعنوي الذي ينبع من سمو النفس ومحاربة البخل. تجلى الكرم في أبهى صوره من خلال تفضيل المحتاجين على الذات، والترحيب بالضيوف دون إشعارهم بأي تقصير. ومن الشواهد الشعرية الدالة على ذلك:
قال امرؤ القيس:
وَيَومَ عَقَرتُ لِلعَذارى مَطِيَّتي:::فَيا عَجَبًا مِن كورِها المُتَحَمَّلِ
فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِه:::وَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ
وقال طرفة بن العبد:
وَبَركٍ هُجودٍ قَد أَثارَت مَخافَتي:::بَوادِيَها أَمشي بِعَضبٍ مُجَرَّدِ
فَمَرَّت كَهاةٌ ذاتُ خَيفٍ جُلالَةٌ:::عَقيلَةُ شَيخٍ كَالوَبيلِ يَلَندَدِي
يَقولُ وَقَد تَرَّ الوَظيفُ وَساقُها:::أَلَستَ تَرى أَن قَد أَتَيتَ بِمُؤيِدِ
وَقالَ أَلا ماذا تَرَونَ بِشارِبٍ:::شَديدٍ عَلَينا بَغيُهُ مُتَعَمِّدِ
وَقالَ ذَروهُ إِنَّما نَفعُها لَهُ:::وَإِلّا تَكُفّوا قاصِيَ البَركِ يَزدَدِ
فَظَلَّ الإِماءُ يَمتَلِلنَ حُوارَها:::وَيُسعى عَلَينا بِالسَديفِ المُسَرهَدِ
الجرأة والإقدام
جسدت الشجاعة في نظر الشعراء الجاهليين الإقبال على الحياة ومواجهة تحدياتها بشجاعة دون وجل. فالإنسان العربي بطبعه يميل إلى الصراع والمواجهة. ومما يعزز شجاعتهم إيمانهم بأن الموت مصير محتوم، وأن الخوف لا يجدي نفعًا. وقد اهتم الجاهليون بتعليم أبنائهم قيم الشجاعة منذ الصغر. ومن الأمثلة الشعرية على ذلك:
قال عنترة بن شداد:
إِذا كَشَفَ الزَمانُ لَكَ القِناع:::وَمَدَّ إِلَيكَ صَرفُ الدَهرِ باعا
فَلا تَخشَ المَنيَّةَ وَاِلقَيَنه:::وَدافِع ما اِستَطَعتَ لَها دِفاعا
وَلا تَختَر فِراشاً مِن حَريرٍ:::وَلا تَبكِ المَنازِلَ وَالبِقاعا
وقال علي بن أبي طالب:
يا عَمرو وَيحَكَ قَد أَتا:::كَ مُجيبُ صَوتِكَ غَيرُ عاجِزِ
ذو نَيَّةٍ وَبَصيرَةٍ:::وَالصِدقُ مَنجي كُلَّ فائِزِ
إِنّي لأَرجو أَن أُقي:::مَ عَلَيكَ نائِحَةَ الجَنائِزِ
مِن ضَربَةٍ نَجلاءَ يَب:::قى صِيتُها عِندَ الهَزاهِزِ
مساعدة المنكوبين
الملهوف هو الشخص الذي يعاني من مصيبة أو كارثة، سواء كانت بشرية أو طبيعية، ولا يملك القدرة على مواجهتها. إغاثة الملهوف كانت من أبرز الصفات التي اشتهر بها العرب في الجاهلية، لأن حياتهم كانت مليئة بالمخاطر، سواء كانت نتيجة للحروب أو الكوارث الطبيعية. ومن الأمثلة على ذلك:
قال زهير بن أبي سُلمى:
بِلادٌ بِها نادَمتُهُم وَأَلِفتُهُم:::فَإِن تُقوِيا مِنهُم فَإِنَّهُما بَسلُ
إِذا فَزِعوا طاروا إِلى مُستَغيثِهِم:::طِوالَ الرِماحِ لا ضِعافٌ وَلا عُزلُ
وقال الحارث بن حلّزة:
سَهلَ المَباءَةِ مُحضَرًَا مَحَلُّهُ:::ما يُصبِحُ الدَهرُ إِلّا حَولَهُ حَلَقُ
لِلمُنذرينَ وَلِلمعَصوبِ لِمَّتُهُ:::أَنتَ الضياءُ الَّذي يُجلى بِهِ الأُفُقُ
حماية المستضعفين
تعني إجارة المستجير حمايته من الأذى والظلم، وهي من مكارم الأخلاق التي تفاخر بها العرب في الجاهلية. ومن أبيات الشعر التي تعبر عن إجارة الضعيف:
قال عمرو بن كلثوم:
أَلَم تَشكُر لَنا أَبناءُ تَيمٍ:::وَإخوَتُها اللَهَازِمُ والقُعورُ
بِأَنّا نَحنُ أَحمَينا حِماهُم:::وَأَنكَرنا وَلَيسَ لَهُم نَكيرُ
وَنَحنُ لَيالِيَ الأَفهارِ فيهِم:::يُشَدُّ بِها الأَقِدَّةُ وَالحُصورُ
توثيق الروابط العائلية
تتقارب معاني صلة الرحم ورعاية الجيران في شعر الجاهلية. فالأقارب هم مصدر فخر وقوة للفرد، ومصدر للدعم والمساندة عند الحاجة.
ومن الأمثلة على ذلك:
قال الحارث بن حلزة
قَذَفَتكَ الأَيّامُ بِالحَدَثِ الأَك:::بَرِ مِنها وَشابَ رَأسُ الصَغيرِ
وَتَفانى بَنو أَبيكَ فَأَصبَحتَ:::عَقيرًا لِلدَّهرِ أَو كَالعَقيرِ
قال زهير بن أبي سلمى
حَدِبٌ عَلى المَولى الضَريكِ إِذا:::نابَت عَلَيهِ نَوائِبُ الدَهرِ
وَمُرَهَّقُ النيرانِ يُحمَدُ في ال:::لَأواءِ غَيرُ مَلَعَّنِ القِدرِ
وَيَقيكَ ما وَقّى الأَكارِمَ مِن:::حوبٍ تُسَبُّ بِهِ وَمِن غَدرِ
الحفاظ على الوعود
الوفاء بالعهد هو خصلة حميدة تعني الالتزام بالوعد مهما كانت العواقب. يظهر الوفاء في شعر الرثاء الجاهلي من خلال ذكر محاسن الفقيد، كنوع من التقدير والاعتراف بفضله.
ومن الأمثلة عليه:
قال عبيد الأبرص:
تَذَكَّرتُهُم ما إِن تَجِفُّ مَدامِعي:::كَأَن جَدوَلٌ يَسقي مَزارِعَ مَخروبِ
وَبَيتٍ يَفوحُ المِسكُ مِن حُجُراتِهِ:::تَسَدَّيتُهُ مِن بَينِ سِرٍّ وَمَخطوبِ
وَمُسمِعَةٍ قَد أَصحَلَ الشُربُ صَوتَها:::تَأَوّى إِلى أَوتارِ أَجوَفَ مَحنوبِ
المصادر
- “القيم الأخلاقية للعربي من خلال الشعر الجاهلي”، مجلة العلوم الإنسانية، 2001، العدد 1، صفحة 186. بتصرّف.
- “القيم الأخلاقية للعربي من خلال الشعر الجاهلي”، مجلة العلوم الإنسانية، 2001، العدد 1، صفحة 186. بتصرّف.
- “قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل”، الديوان.
- “لخولة أطلال ببرقة تهمد”، الديوان.
- “القيم الأخلاقية للعربي من خلال الشعر الجاهلي”، مجلة العلوم الإنسانية، 2001، العدد 1، صفحة 186. بتصرّف.
- “إذا كشف الزمان لك القناع”، الديوان.
- “يا عمرو ويحك قد أتاك”، الديوان.
- تميم الفاخوري، الفضائل الاخلاقية في الشعر الجاهلي، صفحة 428. بتصرّف.
- “صحال القلب عن سلمى وقد كاد”، الديوان.
- “لما جفاني أخلائي وأسلمني”، الديوان.
- أبتمونسي مصطفى، عبيدالله محمد، النزعة الأخلاقية في معلقة زهير، صفحة 30-70. بتصرّف.
- “ألا يا مر والأنباء تنمي”، الديوان.
- “نحن من عامر بن ذبيان”، الديوان.
- “لمن الديار بقنة الحجر”، الديوان.
- “تذكرت أهلي الصالحين بملحوب”، الديوان.