الرأي الشرعي في استثمار الذهب
لقد أولى الإسلام اهتماماً بالغاً بتنظيم التعاملات المالية، وخصوصاً ما يتعلق بالنقود والعملات، سواء كانت معدنية أو ورقية، وذلك لضمان استقرار المعاملات وتجنب المفاسد الناجمة عن الربا المحرم. ومن هذا المنطلق، سنتناول في هذا المقال الأحكام الشرعية المتعلقة باستثمار الذهب.
لقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أصول التعامل بالذهب والفضة، حيث قال:
“الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ.”[1][2]
يشترط في بيع الذهب بالذهب التماثل في الوزن، وأن يتم القبض في مجلس العقد. وينطبق الأمر ذاته عند بيع الذهب بالعملات النقدية المتعارف عليها، حيث يشترط القبض الفوري في مجلس العقد.[2]
القيود الشرعية لتداول الذهب
تخضع تجارة الذهب واستثماره لضوابط وقيود شرعية يجب الالتزام بها عند التعامل بالذهب والفضة، ومن أهم هذه الضوابط:
حظر بيع الذهب الآجل بالذهب الحاضر: لا يجوز بيع ذهب حاضر بذهب غير موجود ومؤجل، وذلك تجنباً الوقوع في ربا النسيئة، وهو ما حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله:
“لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ.”[3]
الاعتبار بالوزن الصافي: الأساس في التعامل هو تساوي الوزن الحقيقي للذهب الصافي، ولا عبرة بالجودة أو الصياغة. فالمماثلة في الوزن هي الشرط الأساسي الذي دلت عليه الأدلة الشرعية. وقد أشار الإمام السبكي إلى أن الجودة لا تؤثر في الحكم، حيث قال: “أما الجودة فقد أسقطها الشرع حيث قال جيدها ورديئها سواء”.
التساوي في الوزن بين الذهب المستعمل والجديد: لا يجوز بيع الذهب المستعمل بالذهب الجديد إلا إذا تساوى وزنهما. والشرع لا يعتد بالعيارات المختلفة للذهب (مثل عيار 18 أو 24) عند بيع الذهب بالذهب، بل الفيصل هو الوزن. لذلك، يجوز بيع ذهب سليم بذهب مكسور إذا تساويا في الوزن، مثل بيع عيار (21) بعيار (18) إذا كانا متساويين في وزن الذهب الصافي.
التحذير من إضافة بدل الفاقد: يحذر الشرع من إضافة قيمة الفاقد الطبيعي الناتج عن صياغة الذهب إلى نسبة الذهب الصافي، لأن ذلك يعتبر من الغش والتدليس، إلا إذا كان هذا الأمر متعارفاً عليه بين تجار الذهب، ويشترط الفقهاء لجواز ذلك أن يباع الذهب المصنع بالنقود، وأن يكون المشتري على علم بذلك. فالعبرة في بيع الذهب بالذهب هي الوزن الصافي الحقيقي للذهب.
حظر بيع الذهب المرصع: لا يجوز بيع قطعة الذهب التي تحتوي على أحجار كريمة بالذهب، وذلك خشية الوقوع في الربا.
ضوابط الاستثمار في الذهب
أجاز العلماء الاتجار بالذهب والاستثمار فيه مع مراعاة الضوابط الشرعية المذكورة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تأسيس الشركات أو المساهمة في الشركات القائمة. ويجب التنبه إلى أنه لا يجوز ضمان رأس المال أو حمايته من الخسارة لأي من المساهمين، بل يجب أن يكون الربح والخسارة محتمَلين للجميع بحسب قيمة المساهمة.[1]
طرق مشروعة لتجارة الذهب
توجد عدة خيارات وبدائل مشروعة للاستثمار وتجارة الذهب، منها:
بيع وشراء الذهب بالشيكات المصدقة: ذهب أغلب العلماء إلى جواز شراء وبيع الذهب والفضة بالشيكات المصدقة، بشرط أن يتم التقابض في مجلس العقد.
التحذير من مبادلة الذهب المصوغ: يجب الانتباه والحذر من مبادلة الذهب المصوغ بذهب مصوغ آخر أكثر منه مقداراً، لأن الشرع لا يعتد بالجودة أو الصياغة في مبادلة الذهب بالذهب.
التبديل مع إضافة جنس آخر: يجوز التبديل بين كمية من الذهب وكمية أخرى أقل منها مضاف إليه جنس آخر، على أن تكون الزيادة في أحد البدلين مقابل الجنس الآخر في البدل الثاني.
الاستثمار في شركات تعدين الذهب: هناك مسائل تحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث الفني والشرعي، بعد التحقق من المعلومات المتعلقة بها، ومنها:
- شراء أسهم شركة تعمل في استخراج الذهب أو الفضة.
- تملك وتمليك الذهب من خلال تسليم وتسلم شهادات تمثل كميات معينة منه متوفرة في مصدر الشهادات، بحيث يستطيع بها من الحصول على الذهب أو التصرف فيه متى شاء.
المصادر
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري ، الصفحة أو الرقم:1584 ، صحيح.
- أبتلجنة الإفتاء (6/7/2017)،”من أحكام بيع الذهب والتجارة به”،دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 9/3/2022. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2177 ، صحيح.
- أبوهبة الزحيلي،كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 5243. بتصرّف.