جدول المحتويات
الأبعاد الكامنة وراء الإحسان للوالدين
إن الحكمة التي لأجلها فرض الله -عز وجل- الإحسان إلى الوالدين والعناية بهما تتجلى في جوانب متعددة، نذكر منها:
الامتثال لأوامر الله -سبحانه وتعالى- وطاعته في كل ما أمر به، ويكفي هذا وحده كغاية، لأن الطاعة تقود إلى الجنة والنعيم الأبدي. قال الله -تعالى-:
“تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” [النساء: 13].
الإقرار بالجميل والتقدير للدور العظيم الذي قام به الوالدان في سبيل تربية الأبناء وتوفير الحياة الكريمة لهم منذ الصغر. وقد أوصى الله بالإحسان إليهما قائلًا:
“وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا” [الإسراء: 24].
الوالدان هما السبب المباشر بعد فضل الله -عز وجل- في وجود الإنسان واستمراره في هذه الحياة، وقد بين الله ذلك بقوله:
“وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ” [لقمان: 14].
تأسيس نواة لمجتمع صالح قادر على بناء جيل يسهم في رفعة الأمة وتقدمها، وذلك من خلال خلق بيئة أسرية يسودها الحب والتفاهم، الناتج عن المعاملة الحسنة للوالدين، مما ينعكس إيجاباً على الاستقرار النفسي والعاطفي لكافة أفراد الأسرة.
الحصول على الثواب الجزيل والفضل العظيم الذي وعد الله به من يحسن إلى والديه. وقد وردت العديد من النصوص الشرعية التي تؤكد هذا الفضل، ومنها:
بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله بعد أداء الصلاة في وقتها، مصداقًا لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
“أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ الصلاةُ لوقتِها، ثم بِرُّ الوالدَينِ” [رواه البخاري].
بر الوالدين سبب لتفريج الكروب وتيسير الأمور، كما تجلى في قصة الثلاثة الذين انحدرت عليهم صخرة عظيمة أغلقت عليهم الغار، فتوسل أحدهم إلى الله ببره بوالديه، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أبَوَانِ شيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا، ولَا مَالًا…اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شيئًا” [رواه البخاري].
الإحسان إلى الوالدين هو الطريق إلى نيل إحسان الأبناء، فالجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.
بر الوالدين هو تعبير عن الشكر والعرفان بجميل صنعهما، وهو في جوهره شكر لله -عز وجل- على نعمه، إذ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“من لم يشْكرِ النَّاسَ لم يشْكرِ اللَّهَ” [رواه الترمذي].
تجنب العواقب الوخيمة التي تترتب على عقوق الوالدين، ومنها:
عقوق الوالدين يسبب غضب الله تعالى، لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
“سَخَطُ اللَّهِ في سَخَطِ الوالدينِ” [رواه الطبراني].
عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، كما ورد في الحديث الشريف:
“أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا، قالوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ” [رواه البخاري].
عقوق الوالدين معصية نهى عنها الشرع الحنيف.
العاق لوالديه لا يدخل الجنة، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
“ثلاثةٌ لا يَدخلُونَ الجنةَ: العاقُّ لِوالِدَيْهِ” [رواه الطبراني].
عقوق الوالدَين سببٌ في حرمان العبد من قبول عمله، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
“ثلاثةٌ لا يقبلُ اللهُ عزَّ وجلَّ منهم صرفًا ولا عدلًا: عاقٌّ” [رواه أحمد].
العاق لوالديه خاسر وهالك، لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
“رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ” [رواه مسلم].
عقوق الوالدَين سببٌ في ذلّة العبديوم القيامة، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
“وثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ العاقُّ بوالدَيه” [رواه النسائي].
يعجل الله عقوبة العاق في الدنيا قبل الآخرة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-:
“اثنانِ يُعجِّلُهما اللهُ في الدنيا: البغيُ، و عقوقُ الوالدَينِ” [رواه البخاري في الأدب المفرد].
الأهمية القصوى لبر الوالدين في الشريعة
يحتل الوالدان مكانة عظيمة في الإسلام، وتظهر أهمية ذلك في أمرين رئيسيين:
قرن الله -سبحانه وتعالى- الأمر بالإيمان به وتوحيده بالأمر بالإحسان إلى الوالدين، كما جاء في قوله -تعالى-:
“وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا” [الإسراء: 23].
قرن الله -عز وجل- شكره بشكرهما، وهذا يدل على عظيم حقهما، كما في قوله -تعالى-:
“أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ” [لقمان: 14].
ومن الفضائل التي ينالها المسلم ببره لوالديه:
بر الوالدين هو من أقرب الأعمال التي توصل إلى الجنة بعد الصلاة في وقتها، كما جاء في صحيح مسلم:
“يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ” [رواه مسلم].
السعي في إرضاء الوالدين هو طريق إلى رضا الله -عز وجل-، والفوز في الدنيا والآخرة، مصداقاً لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
“رضا الله في رِضا الوالِدِ، وسَخَطُ الله في سَخَطِ الوَالِدِ” [رواه الطبراني].
بر الوالدين سبب في البركة في العمر والرزق، كما قال -صلى الله عليه وسلم-:
“مَن سَرَّهُ أنْ يُمَدَّ له في عُمُرِه، ويُزادَ في رِزقِه، فلْيَبَرَّ والِدَيهِ” [رواه أحمد].
بر الوالدين من أفضل القربات إلى الله -تعالى-، وقد قال ابن عباس -رضي الله عنه-:”إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله من بر الوالدة”.
برّ الوالدَين والإحسان إليهما أحد أسباب مغفرةالذنوبوتكفيرها، وذلك لِما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال:
“أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أصَبتُ ذنبًا عظيمًا فَهَل لي مِن تَوبةٍ قالَ هل لَكَ مِن أمٍّ ؟ قالَ: لا، قالَ: هل لَكَ من خالةٍ ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فبِرَّها” [رواه الترمذي].
أصول التعامل الرفيع مع الوالدين
هناك العديد من الآداب التي يجب الالتزام بها عند التعامل مع الوالدين، ومنها:
تجنب مقاطعة حديثهما أو تكذيبهما أو التذمر من أوامرهما، كما قال الله -تعالى-:
“فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما” [الإسراء: 23].
السعي لإدخال السرور على قلبيهما، كالتبسم في وجهيهما وتقبيل أيديهما وإفساح المكان لهما وصلة أرحامهما وتجنب مصاحبة الأشرار.
مراعاة الأدب والاحترام في حضرتهما، وعدم رفع الصوت أمامهما.
تقديم الأم في البر والإحسان إليها، فهي التي تحملت أعباء الحمل والولادة والرضاعة.
تجنب كل ما يزعجهما أو يحزنهما.
المسارعة في تلبية ندائهما وتقديم المساعدة لهما.
الاستئذان قبل الدخول عليهما أو السفر للدراسة أو العمل.
السعي في حل الخلافات التي قد تنشأ بينهما.
تعليمهما أمور الدين ونُصْحُهما بالمعروف.
الإكثار من الدعاء والاستغفار لهما، كما قال -تعالى-:
“رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ” [نوح: 28].
الاستمرار في برهما بعد وفاتهما من خلال إصلاح النفس وصلة أقاربهما والتصدق عنهما وإنفاذ وصيتهما.
طاعتهما في المعروف وتجنب معصيتهما.
عدم رفع الصوت عليهما أو العبوس في وجهيهما أو المن عليهما بالإحسان.
المصادر
تم جمع المعلومات من مصادر موثوقة في الدراسات الإسلامية.