استيعاب مفهوم القدر والاختيار

استكشاف العلاقة بين القدر والاختيار في الإسلام. تعريف القدر والاختيار، ومناقشة الفرق بينهما وهل العبادة اختيارية أم مقدرة.

فهرس المحتويات

توضيح معنى القدر

القدر هو تقدير الله سبحانه وتعالى لكل شيء قبل خلقه ووقوعه. إنه علم الله الأزلي بكل ما سيحدث في الكون، وتسجيل ذلك في اللوح المحفوظ. يدل على ذلك قول الله تعالى:
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).
وهذا يعني أن الله عز وجل قد حدد مصير كل مخلوق وعمله في الدنيا، وما سيكون عليه حاله في الآخرة. سنتناول هذا الموضوع بتفصيل أكبر عند شرح الفروقات بين القدر والاختيار، بإذن الله.

فهم ماهية الاختيار

الاختيار هو قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات والإرادة الحرة في فعل شيء ما دون إجبار أو قسر من أي طرف خارجي. ويؤكد ذلك قول الله تعالى:
(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).
يشير هذا إلى أن الإنسان حر في اختيار طريقه، وقراراته نابعة من إرادته الذاتية. تعتمد معاملاتنا اليومية مع الآخرين على هذا المبدأ، وتكون نتائجها مقدرة في علم الله تعالى.

هل يوجد تباين بين القضاء والقدر؟

يرى أغلب العلماء أنه لا يوجد فرق جوهري بين القضاء والقدر، وذلك لعدة أسباب:

  • استخدامهما في نفس السياقات والمعاني في القرآن والسنة النبوية.
  • عدم وجود دليل شرعي قاطع يفصل بينهما. هذا النوع من التقسيم يتطلب دليلاً شرعياً ليكون معتبراً.

التمييز بين القدر والاختيار

مع أن الله سبحانه وتعالى قدر كل شيء، فإن العدل الإلهي يقتضي أن يكون للإنسان حرية الاختيار في الأفعال التي سيحاسب عليها يوم القيامة. يؤيد ذلك آيات قرآنية مثل قوله تعالى:
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا).
فكيف يكون للإنسان اختيار والله قد قدر كل شيء؟

لقد منح الله الإنسان القدرة والإرادة على الاختيار، أي أن لديه الحرية في اختيار ما يريد. وعلاقة ذلك بالقدر هي أن الله يعلم مسبقاً ما سيختاره الإنسان، لكن هذا الاختيار نابع من إرادة الإنسان الحرة. إذن، هناك تلازم بين الاختيار والقدر، فالإنسان حر في تصرفاته واختياراته، ولكن هذه الاختيارات معلومة عند الله عز وجل. الله -عز وجل- يعلم كل شيء قبل وقوعه. ويعلم الغيب.

هل العبادة منوطة بالإرادة أم بالقدر؟

جميع الأعمال التي يترتب عليها ثواب وعقاب يوم القيامة، من حسنات وسيئات، هي نتاج اختيار الإنسان وإرادته الحرة. هذا من عدل الله سبحانه وتعالى. مثال ذلك الالتزام بالواجبات الشرعية، كالمحافظة على الصلاة. البعض يترك الصلاة ويحتج بأن الله قدر له ذلك.

لكن هذا غير صحيح، فالله لا يريد أن يعذب عباده، قال تعالى:
(وَاللَّـهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ).
فالتزام الإنسان بالعبادة هو اختيار شخصي نابع من إرادته، وهو يتحمل مسؤولية التزامه أو تقصيره. وهذا الاختيار معلوم عند الله سبحانه وتعالى.

الزواج: هل هو مقدر أم مبني على الاختيار؟

العبارة الشائعة “الزواج قسمة ونصيب” صحيحة، ولكن ليس بشكل مطلق. عندما يقرر الإنسان الزواج ويدخر المال ويختار شريك حياته، فإن ذلك يتم باختياره وإرادته. وللمرأة أيضاً الحق في اختيار شريك حياتها. أما إتمام الزواج فهو قدر من الله، إن شاء تم، وإن لم يشأ فلا يتم.

اختيار الشريك حق للإنسان لأنه سيكمل حياته معه، لذا هو من يختار. ولا ينسى الإنسان أن الدين أهم شروط اختيار الشريك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذا جاءكُم من ترضونَ دينَهُ وخلُقهُ فأنْكحوهُ، إلا تفعلوا تكن فِتنةٌ في الأرض وفسادٌ، قالوا: يا رسولَ اللهِ! وإن كانَ فيهِ؟ قال: إذا جاءكُم من ترضونَ دينهِ وخُلقهُ فأنْكحوهُ، ثلاث مرات).
وقال -عليه الصلاة والسلام-:
(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ).

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تمييز القانون العلمي عن النظرية العلمية

المقال التالي

استكشاف مفهومي القضاء والحكمة في الإسلام

مقالات مشابهة