تأملات في الجزء الأول
يشمل هذا الجزء الآيات من (1) إلى (9) من سورة الملك. يركز هذا الجزء على عظمة الله وقدرته، وكذلك على مصير الكافرين. من بين النقاط الرئيسية التي تناولها ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات:
في تفسير قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)،[١] أشار ابن كثير إلى أهمية ختم الآية بصفتي (الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). فالله -سبحانه وتعالى- هو العزيز الذي لا يغلب، ومع ذلك هو الغفور الذي يغفر الذنوب ويتجاوز عن السيئات لمن تاب وأناب. هذا الجمع بين العزة والمغفرة يعكس كمال صفات الله -تعالى-.
وأوضح البغوي أن الله الذي يستحق العبادة هو الذي يتصف بهاتين الصفتين العظيمتين: العزة في الانتقام من العاصين، والمغفرة للتائبين.
وفي تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ)،[٤] تساءل البعض: هل النجوم التي نراها هي نفسها التي ترجم بها الشياطين؟ أجاب ابن كثير موضحاً أن الضمير في (وَجَعَلْنَاهَا) يعود إلى جنس المصابيح، أي نوع من النجوم، وليس النجوم التي نراها بالعين المجردة. فالشياطين لا يرمون بالنجوم البعيدة، بل بشهب قريبة من الأرض.
وهذا ما تؤكده آيات أخرى في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى في سورة الصافات: (فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)،[٦] فالشهب هي التي ترى حركتها، بينما الكواكب لا ترى حركتها بوضوح.
وعند قوله تعالى: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)،[٧] يشير ابن كثير إلى أن سؤال خزنة جهنم للكفار هو سؤال توبيخ وتقريع. فالتوبيخ هو نوع من العذاب النفسي الذي قد يكون أشد إيلاماً من العذاب الحسي، خاصة لأولئك الذين كانوا يتكبرون في الدنيا.
وأكد الدكتور وهبة الزحيلي على أن هذا الاستفهام هو للتقريع والتوبيخ، لزيادة عذابهم النفسي.
إضاءات على الجزء الثاني
يشمل هذا الجزء الآيات من (10) إلى (19) من سورة الملك، ويتناول أحوال الكافرين يوم القيامة، وثناء الله على الذين يخشونه بالغيب. أبرز ما جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآيات:
في تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ)،[١٠] يذكر ابن كثير أن الكافرين في جهنم يلومون أنفسهم على عدم الاستماع إلى الحق وعدم التفكر فيه، ولكن هذا الندم لا ينفعهم في ذلك اليوم. يقولون: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) أي لو أصغينا إلى ما جاء به الرسل، أو (أَوْ نَعْقِلُ) أي لو استعملنا عقولنا في فهم الحق، لما كنا اليوم من أهل النار.
وفي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)،[١٢] يوضح ابن كثير أن هذه الآية تتحدث عن فئة عظيمة من الناس يخشون الله في السر والعلن، ويراقبون أنفسهم حتى في غياب الرقيب البشري. هؤلاء يستحقون المغفرة والأجر العظيم من الله -سبحانه وتعالى-.
وقد جاء في الحديث الشريف ما يؤكد هذا المعنى: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ.. ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا).[١٤][١٣] وهذا يدل على فضل الإخلاص في العبادة والعمل الصالح.
وقفات مع الجزء الثالث
يشمل هذا الجزء الآيات من (20) إلى نهاية سورة الملك، ويتضمن أمثلة وحججًا على قدرة الله وعلمه، وتحذيرًا للكافرين. أهم ما ورد في تفسير ابن كثير لهذه الآيات:
في تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)،[١٥] يبين ابن كثير أن الكافر يشبه الشخص الذي يمشي منكباً على وجهه، لا يرى طريقه ولا يعرف إلى أين يذهب. بينما المؤمن هو الذي يمشي سوياً على صراط مستقيم، يعرف الحق ويسير عليه.
فالمؤمن المستقيم في الدنيا سيحشر يوم القيامة (يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يوصله إلى الجنة. أما الكافر فيحشر (يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) إلى نار جهنم.
وفي قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ)،[١٧] يوضح ابن كثير أن الكفار حين يرون العذاب قريباً منهم، تسوء وجوههم ويصيبهم الخزي والندم، لأنهم يعلمون ما قدموا من أعمال سيئة في الدنيا.
ويزداد حسرتهم وندامتهم عندما يتبين لهم من الله ما لم يكونوا يتوقعونه، كما قال تعالى:(وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ* وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)،[١٨] ثم يقال لهم توبيخاً وتقريعاً: (هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) أي هذا العذاب الذي كنتم تستعجلون به.
المصادر
- سورة الملك، آية:2
- ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، صفحة 197.
- البغوي، معالم التنزيل، صفحة 176.
- سورة الملك، آية:5
- ابن جزي الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل، صفحة 189.
- سورة الصافات، آية:10
- سورة الملك، آية:8
- ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، صفحة 178.
- وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 14.
- سورة الملك، آية:10-11
- ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، صفحة 178.
- سورة الملك، آية:12
- ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، صفحة 179.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1423.
- سورة الملك، آية:22
- ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، صفحة 181.
- سورة الملك، آية:27
- سورة الزمر، آية:47-48
- ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، صفحة 182.