استكشاف مفهوم الإحرام وأحكامه

تعريف الإحرام وأنواعه، مواقيته الزمانية والمكانية، حكمه وشروطه، سنن الإحرام ومستحباته، محظوراته، وكيفية التحلل منه.

ما هو الإحرام؟

الإحرام لغةً: هو الاشتقاق من الفعل الثلاثي (حَرُمَ)، ويعني نية الدخول في الحج أو العمرة.

وقد اختلفت آراء الفقهاء في التعريف الاصطلاحي للإحرام، وفيما يلي تفصيل لآراء المذاهب الأربعة:

  • الحنفية: الإحرام هو الدخول في محظورات معينة لا تكون واجبة إلا بالنية، والذكر، والتزام المحرم بالابتعاد عن بعض الأمور الممنوعة.
  • المالكية: الإحرام هو وصف شرعي يمنع صاحبه من فعل المحرمات، مثل استعمال الطيب، والجماع، وارتداء الملابس المخيطة بالنسبة للرجال.
  • الشافعية: الإحرام هو نية الدخول في الحج، أو العمرة، أو نية صالحة لهما معاً، وسمي الإحرام إحراماً لأنه يمنع صاحبه من فعل المحظورات.
  • الحنابلة: الإحرام هو نية المسلم الدخول في المناسك المختلفة، سواء كانت حجاً أو عمرة.

تحديد أوقات الإحرام

الميقات في اللغة هو الوقت المحدد لفعل شيء ما، ثم استُخدم لاحقاً للإشارة إلى المكان، مثل مواقيت الحج والعمرة. ويُقال: ميقات أهل الشام؛ أي المكان الذي يجب عليهم الإحرام منه. أما في الاصطلاح، فيُطلق الميقات على معنيين:

  1. الوقت الذي تقع فيه النُسك، سواء كانت حجاً أو عمرة.
  2. مكان الإحرام للنُسك.

الحدود الزمنية للإحرام

حدد النبي صلى الله عليه وسلم أوقاتاً زمنية للحج لا يمكن أداؤه في غيرها، وتبدأ هذه الأوقات من بداية شهر شوال وتمتد إلى يوم النحر، وقيل إنها تمتد إلى آخر شهر ذي الحجة، بدليل جواز تأخير طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجة.

أما العمرة، فليس لها وقت محدد، ويجوز للمسلم أداؤها في أي يوم من أيام السنة، إلا في بعض الحالات التي لا يجوز فيها الإحرام للعمرة، مثل من يكون محرماً بالحج، وذلك باتفاق العلماء.

الحدود المكانية للإحرام

عين النبي -عليه الصلاة والسلام- لكل أهل بلد ميقاتاً معيناً لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة تخطيه إلا وهو مُحرم، ذلك لأن الإحرام من الميقات يعتبر واجباً من واجبات العمرة و الحج، فيما عدا أهل مكة أو المقيمين بها، فهم يبدؤون إحرامهم من منطقة تسمى (الحِلّ)، ثم يواصلون مناسك الحج أو العمرة. أما من يقيمون خارج هذه المواقيت، فعليهم الإحرام من أماكن إقامتهم.

والمواقيت المكانية هي:

  • ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة المنورة، ويعرف أيضاً بـ “آبار علي”.
  • الجحفة: ميقات أهل الشام، ويعرف حالياً بـ “رابغ”.
  • قرن المنازل: ميقات أهل نجد.
  • يلملم: ميقات أهل اليمن.

أما القادمون من بلدان أخرى غير المذكورة، فيحرمون من أقرب المواقيت المحددة.

وقد ورد عن عبد الله بن عمر قوله: (وَقَّتَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: قَرْنًا لأهْلِ نَجْدٍ، والجُحْفَةَ لأهْلِ الشَّأْمِ، وذا الحُلَيْفَةِ لأهْلِ المَدِينَةِ، قالَ: سَمِعْتُ هذا مِنَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وبَلَغَنِي أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمُ).

من يتجاوز المواقيت المكانية دون إحرام وهو قاصد لأداء المناسك، يلزمه تقديم فدية، وذلك بذبح شاة في مكة وتوزيعها على فقرائها.

الرأي الشرعي في الإحرام

الإحرام ركن أساسي من أركان الحج و العمرة، ويستدل على ذلك بما يلي:

  1. قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ)، فلا يقبل العمل إلا بالنية والإحرام هو النية في الحج و العمرة.
  2. إجماع العلماء على وجوب الإحرام في العمرة و الحج، كما ذكر ذلك ابن حزم.

وقد تباينت آراء الفقهاء في مسائل تتعلق بالإحرام قبل الميقات وتجاوزه من دون إحرام، وفيما يلي التفصيل:

الإحرام قبل الميقات

اتفق العلماء على جواز الإحرام قبل الميقات، ولكنهم اختلفوا في الأفضلية بين الإحرام قبل الميقات والإحرام منه، فذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى القول بكراهة الإحرام قبل الميقات، وأن الأفضل الإحرام من الميقات. بينما ذهب الحنفية إلى القول بأن الأفضل الإحرام قبل الميقات المكاني، شريطة أن يأمن المحرم على نفسه من الوقوع في محظورات الإحرام.

تجاوز الميقات بدون إحرام

الأفضل عدم تجاوز الميقات دون إحرام لمن أراد الحج والعمرة، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على اتفاق العلماء على استحباب ذلك. وقد اختلفت آراء العلماء في حكم من تجاوز الميقات إلى ميقات آخر، وفيما يلي بيان أقوالهم:

  1. الشافعية والحنابلة: يرون وجوب الإحرام على من مر بالميقات، حتى لو كان سيمر بعده بميقات أهل بلده، استناداً لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (فَهُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِ أهْلِهِنَّ لِمَن كانَ يُرِيدُ الحَجَّ والعُمْرَةَ، فمَن كانَ دُونَهُنَّ، فَمُهَلُّهُ مِن أهْلِهِ، وكَذاكَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها).
  2. الحنفية: يجيزون تجاوز الميقات إلى ميقات آخر، حتى لو لم يكن الآخر خاصاً بأهل بلد المعتمر أو الحاج.
  3. المالكية: يجيزون تجاوز الميقات إن نوى المعتمر أو الحاج الإحرام من ميقاته، واستدلوا بقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (وَقَّتَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لأهْلِ المَدِينَةِ ذا الحُلَيْفَةِ، ولِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ…).

شروط وجوب الإحرام

اشترط الفقهاء لصحة الإحرام عدة شروط نذكرها فيما يلي:

  • الإسلام.
  • النية، وتكون في القلب؛ كأن ينوي المسلم أن يحج أو يعتمر عن نفسه أو عن غيره بتحديد اسمه، ويسن أن يتلفظ بها بقوله: “لبيك اللهم حجاً عن فلان”، أو قوله: “لبيك اللهم عمرة عن فلان بن فلان”، وبذلك يؤكد المعتمر ما في قلبه، ولا يشترط في حج الفرض تحديد نية الفرض إن لم يكن المحرم قد أدى الحج من قبل؛ وحجه يقع عن حجة الفرض باتفاق الفقهاء.
  • التلبية، وهي أي قول أو ذكر أو دعاء يدل على تعظيم الله، ولا يصح الإحرام بدونها عند الحنفية، ولم يشترطها جمهور العلماء.

الأعمال المستحبة في الإحرام

بين العلماء بعض الأمور المستحبة قبل الإحرام، وفيما يلي بيان بعضها:

  • الاغتسال: يستحب للرجال والنساء على حد سواء، حتى وإن كانت المرأة حائضاً أو نفساء؛ فقد ثبت عن زيد بن ثابت: (أنه رأى النبيَّ تَجرَّدَ لإهلالِه واغتسلَ).
  • التطهر والتطيب: المقصود حلق الشارب، ونتف شعر الإبط، وحلق ما حول العانة، وتقليم الأظافر، والتطيب في البدن وليس باللباس؛ فقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كُنْتُ أُطَيِّبُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عِنْدَ إحْرامِهِ بأَطْيَبِ ما أجِدُ).
  • تجرُّد الرجل من الثياب المخيطة: يكون ذلك بأن يلبس إزاراً ورداءً نظيفين يستران العورة، ويستحب أن يكون لونهما أبيض؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (البَسُوا مِنْ ثيابِكُمُ البَياضَ فإنها مِنْ خيرِ ثيابِكم وكفِّنوا فيها موتاكم).

الأمور المحظورة على المحرم

يجب على المعتمر أو الحاج الابتعاد عن عدة أمور بعد إحرامه، وهي ما تسمى بمحظورات الإحرام، وبعضها خاص بالرجال، وبعضها بالنساء، أما بعضها الآخر فمشترك بينهما، وتفصيل ذلك فيما يلي:

محظورات الإحرام الخاصة بالرجال

يجب على الرجال تجنب عدة محظورات سنذكرها فيما يأتي:

  • تغطية الرأس أو بعضه إلا لعذر، أما الاستظلال بشيء فجائز بشرط عدم ملامسته للرأس، ومن ارتكب ذلك متعمداً مختاراً، فيجب عليه إخراج ثلاثة آصع -أي مكيال يقدر ما يكيله بثلاثة كيلو غرام تقريباً- من الطعام يوزعها على ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة.
  • لبس المحيط والمخيط؛ حيث يجب على المحرم أن يلبس إزاراً ورداءً غير مخيطين، فيجعل الرداء على كتفيه، ويغطي صدره بطرفيه، ويبقى كذلك إلى بداية الطواف؛ حيث يسن له الاضطباع في الأشواط الثلاثة الأولى؛ وذلك بأن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن، وأطرافه على عاتقه الأيسر.

محظورات الإحرام الخاصة بالنساء

يحرم على المرأة المحرمة لبس النقاب الذي يغطي الوجه، والقفازات التي تغطي اليدين؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- عن لباس المرأة المحرمة: (لا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ)، ويجوز لها إرخاء ما يستر وجهها دون لمسه.

محظورات يشترك فيها الرجال والنساء

يشترك الرجال والنساء في عدة محظورات يجب تجنبها، وهي كما يلي:

  • يحرم أخذ أي شيء من شعر الرأس بأي طريقة، كالنتف، أو القص، أو الحلق؛ لقول الله -تعالى-: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)، وقاس الفقهاء على ذلك أخذ شيء من باقي شعر الجسم، كما يحرم على المحرم تقليم أظافره، ومن ارتكب ذلك متعمداً مختاراً، فيجب عليه إخراج ثلاثة آصع من الطعام يوزعها على ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة.
  • يحرم على المعتمر عقد النكاح لنفسه أو لغيره، ويبطل العقد إن عقده؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ المُحْرِمَ لا يَنْكِحُ، وَلَا يُنْكَحُ)، وإن عقد النكاح فلا يترتب عليه إلا الإثم على فعله.
  • لا يجوز قتل الصيد البري، أو الدلالة أو الإشارة إليه من المحرم، بخلاف صيد البحر الجائز له؛ لقول الله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)، ومن ارتكب الصيد متعمداً مختاراً فيجب عليه ذبح ما يشبه ذلك الصيد من الأنعام، فإن لم يكن له شبيه فإنه يتصدق بقيمته على فقراء الحرم، أو يصوم يوماً عن كل مُدٍّ من الطعام.
  • يحرم على المحرم الجماع ومقدماته، كاللمس، أو التقبيل بشهوة، سواء في الليل، أو النهار، ومن فعل ذلك فإن عليه أن يذبح شاة توزع على مساكين الحرم، أما الحاج الذي جامع زوجته قبل التحلل الأول فقد فسد حجه، ووجب عليه القضاء، وذبح ناقة، أو بقرة؛ لقول الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ).

الخروج من الإحرام (التحلل)

يقصد بالتحلل من الإحرام: إباحة ما كان محظوراً على المحرم وقت الإحرام، ويختلف التحلل من العمرة عن التحلل من الحج؛ فالتحلل من العمرة يكون بالفراغ منها، أما بالنسبة للحج فهناك تحلل أول؛ يكون بعد رمي جمرة العقبة، أو الحلق، أو التقصير، وبذلك يباح ما كان محظوراً على المحرم إلا الجماع ومقدماته، والتحلل الثاني من الحج؛ وهو التحلل التام الذي يكون بعد رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة.

Total
0
Shares
المقال السابق

مفهوم الاتفاق وأهميته في الشريعة الإسلامية

المقال التالي

فهم الأحاسيس: نظرة شاملة

مقالات مشابهة

عِبر ومواعظ من حكاية المتخلفين عن غزوة تبوك

غزوة تبوك: استخلاص العِبر والمواعظ من قصة الثلاثة الذين تأخروا عن الغزوة. أهمية الاعتراف بالخطأ في حق الله ورسوله، والتعبير عن فضل الله، وقيمة الستر على المذنب في النصح والإصلاح.
إقرأ المزيد