استكشاف معاني سورة الإنسان

تعرف على سورة الإنسان: تفسيرها ومعانيها، بدءًا من خلق الإنسان، مرورا بالهداية والضلال، وصولًا إلى صفات الأبرار ونعيمهم في الجنة، بالإضافة إلى توجيهات نبوية للصبر والدوام على الذكر.

تقديم بسورة الإنسان

سورة الإنسان، وتُعرف أيضًا بسورة الدهر أو الأبرار، هي سورة مدنية يبلغ عدد آياتها إحدى وثلاثين آية. وقد ورد في فضلها ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-:(أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الفَجْرِ يَومَ الجُمُعَةِ: “الم تَنْزِيلُ” السَّجْدَةِ، وَ”هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ”، وَأنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الجُمُعَةِ سُورَةَ الجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ).

تتميز هذه السورة بتركيزها على موضوعات أساسية في العقيدة الإسلامية والأخلاق، بالإضافة إلى ذلك، يُطلق عليها اسم سورة الأمشاج، نظرًا لتفردها بذكر هذا اللفظ دون غيرها من سور القرآن الكريم. واشتهرت كذلك باسم سورة الأبرار لتفصيلها لصفاتهم ونعيمهم المقيم في الجنة.

تحليل وتدبر سورة الإنسان

تتناول سورة الإنسان جوانب مختلفة من حياة الإنسان وعلاقته بخالقه، كما تسلط الضوء على مصير المؤمنين والكافرين. وتتناول السورة عدة محاور رئيسية:

بيان نشأة الإنسان

تتضمن الآيات التي تتناول هذا المحور قول الله -تعالى-:(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا* إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا).

تبين هذه الآيات أصل خلق الإنسان، حيث لم يكن شيئًا مذكورًا في بداية الأمر، ثم خلقه الله من نطفة مختلطة (أمشاج)، وميزه بالسمع والبصر ليختبره في هذه الحياة الدنيا، ويرى مدى استجابته لأوامره وتجنبه لنواهيه.

توضيح طريق الهداية والضلال

توضح الآيات الكريمة هذا الأمر في قول الله -عز وجل-:(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا* إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا* إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا* عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا).

يشير الله -سبحانه وتعالى- إلى أنه بعد خلق الإنسان، أرشده إلى طريق الحق، فمنهم من اختار الإيمان والشكر، ومنهم من جحد وكفر. وقد أعد الله للكافرين عذابًا شديدًا وأغلالًا وسلاسل في نار جهنم، بينما ينعم الأبرار بشراب لذيذ ممزوج بالكافور، وهو اسم لعين ماء في الجنة.

خصائص وسمات الأبرار

تصف الآيات التالية صفات الأبرار وأعمالهم التي استحقوا بها نعيم الجنة، قال تعالى:(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا* إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا).

يبين الله -جل جلاله- أن الأبرار يتميزون بالوفاء بالنذور التي يعقدونها على أنفسهم تقربًا إلى الله، كما أنهم يخشون أهوال يوم القيامة وما فيه من شرور، وهذا الخوف يدفعهم إلى الإيمان والعمل الصالح. ومن أبرز صفاتهم إطعام الطعام للمحتاجين من المساكين واليتامى والأسرى، ولا يرجون من ذلك إلا رضا الله وخوفًا من عذابه.

وصف نعيم الأبرار في الجنة

تتحدث الآيات عن الجزاء العظيم الذي أعده الله للأبرار في الجنة، قال تعالى:(فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا* وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا* مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا* وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا* وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا* قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا).(وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا* عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا* وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا* وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا* عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا* إِنَّ هَـذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا).

يصف الله -عز وجل- النعيم المقيم الذي ينتظر الأبرار في الجنة، حيث ينجيهم من أهوال يوم القيامة، ويدخلهم الجنة بما صبروا على الطاعة في الدنيا. يتكئون فيها على الأرائك في جو معتدل، لا حرارة شمس ولا برد قارس، وتظللهم أشجار الجنة وتتدلى ثمارها ليقطفونها بسهولة. ويسقون شرابًا طيبًا ممزوجًا بالزنجبيل في كؤوس من فضة، من عين تسمى سلسبيلا، ويخدمهم فيها ولدان مخلدون يشبهون اللؤلؤ المنثور، ويلبسون ثيابًا من سندس وإستبرق، ويحلون بأساور من فضة، ويسقيهم ربهم شرابًا طهورًا، وكل هذا جزاءً لهم على سعيهم وطاعتهم في الدنيا.

إرشاد النبي إلى الصبر والاستمرار بالعبادة

يوجه الله -سبحانه وتعالى- النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلً* فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا* وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا* وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا).

بعد أن ذكر الله نعيم الجنة، يبين أنه أنزل القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمره بالصبر على حكمه وعدم طاعة الكافرين الضالين، ودعاه إلى الإكثار من ذكر الله في كل وقت، والإكثار من الصلاة في الليل والسجود، فالسجود هو أقرب ما يكون العبد إلى ربه.

التذكير بأحداث الآخرة

تختتم السورة بالتذكير بيوم القيامة ومصير الكافرين، قال تعالى:(إِنَّ هَـؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا* نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا* إِنَّ هَـذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا* يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).

ينكر الله على الكافرين حبهم للدنيا وشهواتها وإعراضهم عن الآخرة وأهوالها، فالله هو الذي خلقهم ولو شاء لأبدلهم بغيرهم. والقرآن تذكير للناس بطريق الله، فمن أراد الهداية هداه الله، ومن أراد الضلال أضله الله وأدخله جهنم.

Total
0
Shares
المقال السابق

معاني سورة الإخلاص للأطفال

المقال التالي

معاني سورة الإنسان وفضائلها

مقالات مشابهة