مكانة المدينة المنورة
يختار الله سبحانه وتعالى رسلاً من الملائكة ومن البشر، وكما يختار أشخاصًا، فإنه يختار أماكن ليضفي عليها أهمية خاصة، فتصبح محط اهتمام المؤمنين ووجهة للعبادة. ومن بين هذه الأماكن المميزة، تبرز مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، التي اختصها الله بمكانة رفيعة بين بقاع الأرض. وقد اختلف العلماء في تحديد الأفضل بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. للمدينة أسماء عديدة منها المدينة، وطيبة، وطابة. يُستحب زيارة المسجد النبوي والسفر إليه لأداء الصلاة، مستندين إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الأقصَى، ومسجدي هذا).
عند دخول المسجد النبوي، يُستحب القيام بما يُفعل عند دخول أي مسجد، كالدعاء الخاص بالدخول وصلاة ركعتين تحية المسجد إذا لم تكن صلاة الفرض قائمة. فالصلاة في المسجد النبوي تعادل ألف صلاة في غيره من المساجد، باستثناء المسجد الحرام. كما يُستحب لزائر المدينة أن يتوجه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ويقف باتجاه القبر، ويسلم على الرسول قائلاً: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته)، ثم يسلم على صاحبيه وينصرف. يجب على الزائر ألا يرفع صوته في المسجد بشكل عام وعند القبر بشكل خاص، امتثالاً لقول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ).
من السنن المستحبة أيضًا زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ركعتين، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة فيه تعادل أجر عمرة، سواء كانت الصلاة فرضًا أم نافلة.
لمحة عن مسجد قباء
يُعد مسجد قباء أول مسجد تأسس في الإسلام. عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، بدأ في تأسيسه بوضع أول حجر في القبلة، ثم تبعه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما بوضع حجرين. بعد ذلك، بدأ الناس في البناء بجد واجتهاد حتى اكتمل المسجد الذي أُسس على التقوى. وقد أثنى الله تعالى على القائمين على بناء مسجد قباء في كتابه الكريم: (لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهَّروا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرينَ).
خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء بزيارات متكررة كل يوم سبت، حتى أصبحت عادة لأهل المدينة. يقع المسجد في الجنوب الغربي للمدينة، ويبعد عن المسجد النبوي حوالي خمسة كيلومترات. يوجد في المسجد بئر يُنسب إلى الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. بُني مسجد قباء في المكان الذي استقرت فيه ناقة النبي صلى الله عليه وسلم عند وصوله إلى المدينة قادمًا من مكة.
أهمية الصلاة في مسجد قباء
تتضاعف الأجور في الصلاة في ثلاثة مساجد فقط، وهي التي وردت فيها الأدلة والنصوص. أما ما عدا هذه المساجد الثلاثة، فلا يوجد دليل على مضاعفة الأجر. والدليل على مضاعفة الأجر في المساجد الثلاثة هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصلاةُ في المسجدِ الحرامِ بمئةِ ألفِ صلاةٍ، والصلاةُ في مسجدي بألفِ صلاةٍ، والصلاةُ في بيتِ المقدسِ بخمسِمِئةِ صلاةٍ).
أما الدليل الوارد في فضل الصلاة في مسجد قباء فهو ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (من تطهَّر في بيتِه، ثم أتى مسجدَ قُباءٍ، فصلَّى فيه صلاةً؛ كان له كأجْرِ عُمرةٍ). وقد ورد عن الصحابة ما يدل على حرصهم على الصلاة في مسجد قباء، كما أن الأجور المضاعفة لا تغني عن صلاة النوافل؛ بل يصلي فيه المسلم الفرض والسنن، كغيره من المساجد.
أخلاقيات زيارة المسجد
لزيارة المساجد آداب ذكرها العلماء، مستندين إلى القرآن الكريم والسنة النبوية. تشمل هذه الآداب الأوامر والنواهي والمستحبات التي يجب على المؤمن مراعاتها عند دخول المسجد، وهي كثيرة. فيما يلي بعض هذه الآداب:
- يستحب ارتداء الملابس الحسنة واستخدام السواك عند دخول المسجد، مستندين إلى قول الله تعالى: (يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ). يشمل ذلك النهي عن الذهاب إلى المسجد بملابس النوم أو ملابس العمل.
- النهي عن الذهاب إلى المسجد بعد أكل الثوم أو البصل؛ وذلك لورود النهي عنهما، وليس لذاتهما، فهما ليسا محرمين، وإنما لرائحتهما.
- استحباب المشي إلى المساجد؛ فبذلك يرفع الله الدرجات، ويمحو الخطايا.
- استحباب التبكير إلى المساجد، والمشي إليها بسكينة وخشوع.
- الحرص على الأذكار عند الخروج من المنزل متوجهًا إلى المسجد؛ فيقول: (اللهمَّ، اجعلْ في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعلْ في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعلْ من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهمَّ أَعطِني نوراً)، وعند دخوله المسجد.
- يستحب أن يتابع المؤذن؛ فيقول كما يقول المؤذن في كل لفظة، إلا عند وصول المؤذن إلى قول: (حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح)، فيقول المسلم: (لا حول ولا قوّة إلّا بالله)، ويدعو الدعاء بعد الانتهاء من الأذان.
- يستحب الإكثار من ذكر الله تعالى في المسجد؛ من التكبير، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والإكثار من قراءة القرآن.
- صلاة ركعتين عند دخول المسجد.
- النهي عن البيع والشراء داخل المسجد، ويدخل في ذلك كل ما يلهي الناس عن ذكر الله تعالى.
- النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان؛ إلا لضرورة.
المراجع
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1995، صحيح.
- سورة الحجرات، آية: 2.
- أحمد الزومان (13-7-2009)،”زيارة المدينة”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-10-2018. بتصرّف.
- سورة التوبة، آية: 108.
- أحمد الخاني (13-5-2013)،”مسجد قباء”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-10-2018. بتصرّف.
- رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 10-4، حسن.
- رواه الألباني ، في صحيح الترغيب، عن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم: 1181، صحيح.
- “فضل زيارة مسجد قباء والصلاة فيه”،fatwa.islamweb.net، 6-2-2006، اطّلع عليه بتاريخ 10-10-2018. بتصرّف.
- أمين الشقاوي (23-10-2016)،”من آداب المساجد”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-10-2018. بتصرّف.
- سورة الأعراف، آية: 31.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 763، صحيح.