استكشاف قوة الجاذبية الأرضية

استكشاف قوة الجاذبية الأرضية: نظرة على مساهمات نيوتن وأينشتاين في فهم الجاذبية، من قانون الجذب العام إلى نظرية النسبية العامة.

مقدمة حول الجاذبية الأرضية

الجاذبية (بالإنجليزية: Gravity) هي قوة أساسية تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على الحياة على كوكب الأرض. إنها المسؤولة عن الحفاظ على مسافة ثابتة نسبياً بين الأرض والشمس، فيما يُعرف بمدار الأرض. هذه المسافة تسمح للكائنات الحية، وخاصة الإنسان، بالاستفادة من ضوء الشمس ودفئها دون التعرض لخطر الاحتراق أو التجمد.

الجاذبية هي القوة التي تربط الأرض وبقية كواكب المجموعة الشمسية، وتمنعها من الانفلات في الفضاء، وتحافظ عليها في مداراتها حول الشمس لتشكل ما يعرف بالمجموعة الشمسية.

تكتسب الجاذبية الأرضية أهمية خاصة لأنها تحافظ على الغلاف الجوي الضروري لعملية التنفس، والذي يساعد في الحفاظ على حرارة الشمس بعد غروبها. كما أنها تبقي القمر في مدار ثابت حول الأرض. إضافة إلى ذلك، يمكن تفسير ظاهرتي المد والجزر عن طريق جاذبية القمر، حيث إنها المسؤولة عن هاتين الظاهرتين.[1]

الجاذبية ليست خاصية حصرية للأرض، بل هي صفة تشترك فيها جميع الأجسام التي تمتلك كتلة. من الجدير بالذكر أنه لولا الجاذبية لما تشكل الكون بالشكل الذي نعرفه؛ فهي التي جمعت الجسيمات في بداية الكون، ولعبت دوراً حاسماً في تكوين النجوم والأجرام السماوية حتى يومنا هذا.[1]

إسهامات نيوتن في فهم قوة الجاذبية

قدم نيوتن العديد من الإسهامات الهامة في مجال الفيزياء، وأحد أبرز هذه الإسهامات هو ما يعرف بقانون الجذب العام، الذي تم تطويره خلال دراسته للجاذبية.

نيوتن ومفهوم الجاذبية

ينص قانون نيوتن الثاني للحركة على أن:

القوة = الكتلة × التسارع

عندما تكون الحركة عمودية على سطح الأرض، فإن التسارع يساوي قيمة ثابتة، وهي ما يعرف بتسارع الجاذبية الأرضية، ويساوي 9.81 م/ث². في هذه الحالة، تكون قيمة القوة مساوية لوزن الجسم. يجب الإشارة إلى أن هذا التسارع ليس ثابتاً في كل مكان، بل يختلف باختلاف الارتفاع. بناءً على ذلك، يمكن مقارنة كتلتين مختلفتين عن طريق قياسهما على نفس المستوى العمودي، أي على نفس الارتفاع عن سطح الأرض.[2]

من الضروري الإشارة إلى أن الكتلة في سياق دراسة الجاذبية واختبارها بين جسمين تسمى كتلة الجاذبية (بالإنجليزية: Gravitational mass)، وهي الكتلة التي تحدد مقدار قوة الجذب بين جسمين لهما كتلة. تختلف هذه الكتلة عن الكتلة القصورية (بالإنجليزية: Inertial mass)، التي تحدد مدى مقاومة الجسم للحركة. هذا الاختلاف النظري بين الكتلتين ليس محل اتفاق بين جميع الفيزيائيين.[2]

صياغة قانون الجذب العام

في عام 1687، نشر نيوتن أعماله المتعلقة بالجاذبية. بعد دراسة البيانات التي جمعت منذ القدم حول دوران القمر حول الأرض، وبيانات حول حركة الكواكب والأجرام السماوية التي لم يتمكن أحد قبله من تفسير حركتها، توصل نيوتن إلى حل باستخدام قانونه الأول، قانون القصور الذاتي. استنتج أنه يجب على القمر أن يستمر في حركته في خط مستقيم لو لم تؤثر عليه قوة ما، مما يعني وجود قوة مؤثرة على القمر تبقيه في مداره شبه الدائري حول الأرض. هذه القوة هي نفسها القوة الموجودة بين الشمس والكواكب، والتي تبقيها في مداراتها حول الشمس، وهي أيضاً القوة التي سحبت التفاحة إلى الأسفل بدلاً من أن تطفو وترتفع إلى الأعلى.[2]

نشر نيوتن قانون الجذب العام في ذلك العام، بعد عمل دؤوب. ينص هذا القانون على أن: “كل جسمين في الكون توجد بينهما قوة تجاذب، تتناسب طردياً مع حاصل ضرب كتلتيهما، وعكسياً مع مربع المسافة بينهما.” هذا القانون، المعروف بقانون الجذب العام، غالباً ما يسمى قانون التربيع العكسي لنيوتن لأن القوة تتناسب عكسياً مع مربع المسافة بين الجسمين. يمكن كتابة هذا القانون رياضياً كالتالي:

ق = ج × (ك1 × ك2) / ف²

حيث أن ق هي القوة، ج هو ثابت الجذب العام الذي تبلغ قيمته 6.673 × 10⁻¹¹ نيوتن.م²/كجم²، ك1 هي كتلة الجسم الأول، ك2 هي كتلة الجسم الثاني، ف هي المسافة بين الجسمين.[2]

قصة نيوتن والتفاحة

ولد إسحاق نيوتن (بالإنجليزية: Isaac Newton) في عام 1642 بالقرب من غرانثم في إنجلترا، وبدأ دراسته في جامعة كامبردج في سنة 1661. بعد أربع سنوات من بدء دراسته، أي في عام 1665، أغلقت الجامعة بسبب تفشي وباء الطاعون، مما اضطر نيوتن للعودة إلى مزرعة وولزثورب (بالإنجليزية: Woolsthorpe Manor)، حيث نشأ. بينما كان في بستان هناك، وحسب شهادة الشهود، سقطت تفاحة أمامه، الأمر الذي ألهمه لوضع قانون الجذب العام.[3]

مساهمة أينشتاين في فهم الجاذبية

في عام 1905، بعد أن أنهى ألبرت أينشتاين (بالإنجليزية: Albert Einstein) نظريته النسبية الخاصة، وهي نظرية تدرس حركة الأجسام السريعة التي تقترب سرعتها من سرعة الضوء في أطر مرجعية تتحرك بشكل منتظم (أي أن تسارع هذه الأطر المرجعية يساوي صفراً)، أراد أينشتاين تعميم هذه النظرية لتشمل الأطر المتسارعة، وقد نجح في ذلك في نظريته النسبية العامة.[2]

النظرية النسبية العامة

في عام 1916، نشر أينشتاين أعماله حول النظرية النسبية العامة، والتي تقوم على مبدأين:

  1. جميع قوانين الطبيعة هي نفسها لجميع المراقبين في جميع الأطر المرجعية، سواء كانت تتحرك حركة منتظمة أو متسارعة.
  2. في محيط أي نقطة، فإن مجال الجاذبية يعادل تسارع الإطار المرجعي في غياب آثار الجاذبية، وهذا هو مبدأ التكافؤ.

يمكن فهم مبدأ التكافؤ عن طريق التفكير في تجربة بسيطة: إذا كان لدينا مراقب في صندوق ما، وكان هذا المراقب على الأرض، فإنه سيشعر بتسارع السقوط الحر (ج = 9.81 م/ث²) ويمكنه قياسه إذا رمى أي شيء من يده. في حالة أخرى، إذا كان هذا المراقب في صندوق آخر في الفراغ بعيداً عن أي مصدر للجاذبية، وتم سحب الصندوق إلى الأعلى بقوة تعطي تسارع السقوط الحر ج = 9.81 م/ث²، فإن هذا المراقب لا يمكنه معرفة أو التحقق بأي تجربة مهما كانت، ولن يعلم إن كان على الأرض حقاً أم أنه يسحب للأعلى بقوة تعطي تسارع السقوط الحر. من هنا جاء أينشتاين بمبدأ التكافؤ بين الجاذبية والتسارع الذي كان يرغب بإضافته إلى نظريته النسبية الخاصة.[2]

النسبية العامة وتفسير الجاذبية

اقترح أينشتاين فكرة توحيد الأبعاد المكانية مع البعد الزماني الوحيد ليصبح لدينا أربعة أبعاد نعيش فيها، ليصبح اسم الفضاء الذي نعيش فيه الزمكان (الزمان-مكان)، وفيه يكون أثر الجاذبية على شكل انحناء لهذا الفضاء رباعي الأبعاد. هذا الانحناء لا يمكننا الإحساس به إلا على شكل الجاذبية. جاءت فكرة الانحناء هذه من تمثيلنا لحركة جسم متسارع بالنسبة للزمان والمكان؛ حيث إن هذا التمثيل سيعطينا منحنى معيناً. يمكن ملاحظة أنه إذا كان التمثيل لجسم غير متسارع، فسيكون الرسم البياني خطياً. من هنا جاءت فكرة انحناء الزمكان، وبما أن لدينا مبدأ التكافؤ، فيمكن التفكير بهذا الانحناء على أنه سبب الجاذبية بدلاً من التسارع.[2]

الآن، أصبح من الواضح أن المفهوم الحديث للجاذبية يكافئ التسارع، وأن الجاذبية تسبب انحناءً في نسيج الزمكان، مما يؤدي إلى بقاء الأجسام داخل هذا التشوه أو الانحناء في نسيج الزمكان. القمر على سبيل المثال يدور حول الأرض لأنه قريب من الانحناء الذي تسببه الأرض في نسيج الزمكان، وتجذبنا الأرض وتجذب كل الأجسام الأخرى بفعل هذا الانحناء.[2]

المراجع

  1. “What is Gravity?”,NASA Space Place,4-5-2017
  2. Raymond A. Serway (2004),Physics for Scientists and Engineers, USA: Thomson Brooks/Cole, Page 119, 390, 391,1273-1276, Part 6th edition.
  3. ELIZABETH NIX (13-11-2015),”Did an Apple Really Fall on Isaac Newton’s Head?”،History Stories
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

استكشاف مفهوم الجاذبية وتأثيراتها

المقال التالي

نظرة عامة على دولة الجزائر

مقالات مشابهة

مفهوم الاسم الواقع عليه الفعل: شرح وتفصيل

تعريف الاسم الواقع عليه الفعل وأوزانه. كيفية صياغة الاسم الواقع عليه الفعل من الفعل الثلاثي وغير الثلاثي. الأوزان التي تدل على الاسم الواقع عليه الفعل ودلالاتها.
إقرأ المزيد