مقدمة في علم التفسير
يعتبر علم التفسير من العلوم الشرعية الأساسية التي يعتمد عليها المسلمون لفهم كتاب الله العزيز. فالقرآن الكريم هو دستور الأمة ومنهج حياتها، ولا يمكن فهمه حق الفهم إلا من خلال علم التفسير. التفسير لغةً يعني الإيضاح والتبيين، وعندما نقول فسرنا شيئًا، فإننا نعني أننا أوضحناه وبيّناه. أما في الاصطلاح الشرعي، فإن تفسير القرآن الكريم يعني شرح معانيه وتوضيح دلالاته، والكشف عن مراد الله تعالى من خلال آياته.
علم التفسير هو علم يهدف إلى فهم كلام الله المنزل على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، واستنباط الأحكام الشرعية والقيم الأخلاقية من خلاله. يعتمد هذا العلم على علوم أخرى مثل علم اللغة، وعلم النحو، وعلم الصرف، وعلم البلاغة، وعلم أصول الفقه، وعلم القراءات. كما يستفيد المفسر من معرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، لكي يكون تفسيره دقيقًا وصحيحًا.
تمييز التفسير عن التأويل
على الرغم من أن مصطلحي التفسير والتأويل قد يبدوان مترادفين، إلا أنهما يختلفان في المعنى والدلالة. التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر يحتمله، مع وجود دليل يرجح هذا المعنى. أما التفسير، فهو بيان معنى اللفظ الظاهر، والكشف عن مراد المتكلم.
هناك عدة فروق جوهرية بين التفسير والتأويل، منها:
- التفسير يعتمد على الأدلة القطعية والجازمة، بينما التأويل يعتمد على الاحتمالات والظنون الراجحة. لذلك، يجزم المفسر بتفسيره للآية، بينما لا يجزم المؤول بتأويله.
- التفسير يوضح معاني القرآن الكريم ويبينها بدليلٍ جازمٍ قطعيٍّ يبيّنه المُفسِّر، لذلك يجزم بتفسيره للآيات القرآنيّة، بينما التأويل يعتمد على الاحتمال وغلبة الظنّ والترجيح؛ فلا يستطيع المؤوّل أن يجزم ويقطع في تأويله للآيات القرآنية لعدم وجود دليل عليها.
- التفسير محله الذهن، حيث يتم إيضاح المعنى بالكلام، بعبارة تدل عليه باللسان، فيعقله الإنسان، أمّا التأويل فهو لا يختلف عن ظاهر الأمور التي تكون في الخارج حقيقةً؛ ففي قول الله -تعالى-:(بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ وَلَمّا يَأتِهِم تَأويلُهُ)، يُقصد بالتأويل وقوع المُخبر به، كما في قوله -سبحانه وتعالى-:(وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت)؛ فلا يختلف معنى الآية عن المعنى الحقيقي لظاهرها؛ فالتأويل في مفردة “طلعت” هو طلوع الشمس.
- التفسير يعتمد على السنة النبوية الصحيحة، وعلى أقوال الصحابة والتابعين، بينما التأويل يعتمد على الاجتهاد والاستنباط. لذلك، يطلق على التفسير “التفسير بالرواية”، بينما يطلق على التأويل “التفسير بالدراية”.
- التفسير تبيانٌ يدعمه صحيحالسنّة النبويّة؛ فيكون معناه واضح وجليّ، حيث يعتمد بشكلٍ أساسيّ على الروايات؛ لذلك يُطلق عليه اسم التفسير بالرواية، أمّا التأويل فيقوم على ما يستنبطه العلماء من فهمهم للآيات القرآنيّة، وهو ما يُعرف بالدراية أو الاجتهاد.
- التفسير يقتصر على بيان المعاني والألفاظ، أمّا التأويل فيشمل ما يكثُر استخدامه في المعاني والجمل.
- التفسير توضيحلمفردات القرآنالكريم الظاهرة بناءً على اللّغة، أمّا التأويل فهو تبيانٌ لباطن المفردات القرآنيّة؛ ففي قول الله -تعالى-:(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)، تُفسّر مفردة المرصاد من الرّصد؛ فيُقال: رصدته إذا رقبته، والمرصاد: مفعالٌ منه، أمّا تأويلها فهو التحذير من التهاون بأمر الله -عزّ وجلّ-، والتنبيه من الغفلة عن لقاء الله -عزّ وجلّ- يوم القيامة.
- التفسير توضيح المعاني القرآنية التي لا تحتمل إلّا معنى واحد فقط، أمّا التأويل فهو ترجيحٌ لمعنى مفردةٍ من المفردات القرآنيّة التي تحمل عدّة معانٍ، بالاعتماد على دليلٍ في ذلك.
مثال على ذلك: قوله تعالى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) قد يؤولها البعض بأنها تعني قدرة الله، ولكن التفسير الظاهر هو أن يد الله حقيقة فوق أيديهم.
أصناف التفسير
قام العلماء بتقسيم التفسير إلى عدة أقسام، وذلك بناءً على المنهج الذي يتبعه المفسر في تفسيره للقرآن الكريم. من أبرز هذه الأقسام:
- التفسير بالمأثور (أو التفسير النقلي): وهو التفسير الذي يعتمد على القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين. يعتبر هذا النوع من التفسير هو الأوثق والأكثر اعتمادًا، لأنه يعتمد على المصادر الأصلية للشريعة الإسلامية.
- تفسير القرآن بالقرآن: يُقصد به أن تأتي آيةً قرآنية تُفسّر معنى آيةً أخرى، كما في قول الله -عزّ وجلّ-:(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، حيث جاءت آيةٌ أخرى توضّح مراد الله -تعالى- منها؛ كقوله -تعالى-:(قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ).
- تفسير القرآن بالسنّة: يكون ذلك بأن تُفسَّر آية قرآنية بحديثٍ نبويٍّ شريف؛ كتفسير رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لمعنىالظلمبالشرك، فقد ذكر عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- ذلك فقال:(قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا} [الأنعام: 82] إيمانَهُمْ بظُلْمٍ شَقَّ ذلكَ علَى أصْحابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقالوا: أيُّنا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ليسَ كما تَظُنُّونَ، إنَّما هو كما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ: {يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ})،
- تفسير القرآن بما أُثر عن الصحابة: يتوافق تفسيرالصحابة-رضي الله عنهم- أحياناً مع أسباب نزول القرآن الكريم فيأخذ بكلامهم، ولا مجال للرأي فيه؛ فيأخذ حكم المرفوع، أمّا إن كان للرأي فيه مجال فهو في حكم الموقوف ما دام لم يسند إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
- التفسير بالرأي (أو التفسير العقلي): وهو التفسير الذي يعتمد على اجتهاد المفسر وفهمه للغة العربية، وقواعد الشريعة الإسلامية. يجب على المفسر الذي يعتمد على هذا النوع من التفسير أن يكون عالمًا باللغة العربية، وأصول الفقه، وعلوم القرآن، وأن يكون متجردًا من الهوى والتعصب. وينقسم التفسير بالرواية إلى قسمين: التفسير المحمود، والتفسير المذموم.
- التفسير الإشاري: يعني ذلك تفسير آيات القرآن الكريم بإشارةٍ خفيّةٍ تظهر لمن خصّهم الله -تعالى- بفهمٍ خاصٍّ؛ فيُفسّر النصّ على غير ظاهره، وقد ضبطابن القيم-رحمه الله تعالى- هذا النوع من التفاسير بعددٍ من الضوابط؛ كأن لا يُناقض التفسير معنى الآية القرآنية، وأن يكون المعنى صحيحاً في نفسه، وغيرها من الضوابط.
أهمية التفسير ومنزلته
تتجلى أهمية التفسير في كونه الوسيلة التي تمكننا من فهم كتاب الله، والعمل بأحكامه، وتطبيق تعاليمه في حياتنا. فالله تعالى أنزل القرآن الكريم ليكون هدىً للناس، ونورًا يضيء لهم طريق الحق، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بفهم معانيه ومقاصده.
إن فهم سياق الآيات له أثرٌ كبيرٌ في فهم معنى النص القرآنيّ، وأعظم تفسيرٍ وبيان لآيات القرآن الكريم هو تفسير القرآن الكريم نفسه؛ فقد تكفّل الله -عزّ وجلّ- ببيان بعض آيات القرآن الكريم وتوضيحها، قال الله -تعالى-:(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، ولذلك كان لعلم التفسير مكانة عظيمة بين العلوم الأخرى.
ولذلك، فإن علم التفسير يحتل مكانة مرموقة بين العلوم الشرعية، ويحظى باهتمام كبير من قبل العلماء والباحثين. فهو العلم الذي يربطنا بكتاب الله، ويهدينا إلى سواء السبيل.
المراجع
- الصحاري (1999)،كتاب الإبانة في اللغة العربية(الطبعة الأولى)، مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، صفحة 1586، جزء 3.
- عبد الله بن محمد الغنيمان،كتاب شرح فتح المجيد للغنيمان، صفحة 2، جزء 29.
- ابن عثيمين (1995)،كتاب شرح مقدمة التفسير لابن تيمية – العثيمين(الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 28، جزء 1.
- د.هاني البشبيشي (4/4/2013)،”الفرق بين التفسير والتأويل”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-7-2020.
- مجموعة من المؤلفين (1404 – 1427هـ)،كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الأولى)، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 219، جزء 8.
- العسكري، أبو هلال (1412ه)،كتاب معجم الفروق اللغوية = الفروق اللغوية بترتيب وزيادة(الطبعة الأولى)، إيران: مؤسسة النشر الإسلامي، صفحة 129.
- صلاح الخالدي (1996 م)،كتاب التفسير والتأويل في القرآن(الطبعة الأولى)، الاردن: دار النفائس، صفحة 170.
- سورة يونس، آية: 39.
- سورة الكهف، آية: 17.
- محمد معبد (2005 م)،كتاب نفحات من علوم القرآن(الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام، صفحة 123.
- صلاح الخالدي (1996 م)،كتاب التفسير والتأويل في القرآن(الطبعة الأولى)، الأردن: دار النفائس، صفحة 170-171.
- سورة الفجر، آية: 14.
- الثعالبي، أبو زيد (1418 ه)،تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن(الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 45.
- صلاح الخالدي (1996 م)،كتاب التفسير والتأويل في القرآن(الطبعة الأولى)، الأردن: دار النفائس، صفحة 172.
- الشيخ صلاح نجيب الدق (4/7/2018)،”تفاسير القرآن”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2020.
- سورة البقرة، آية: 37.
- سورة الأعراف، آية: 23.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6937، صحيح.
- سورة القيامة، آية: 19.
- عبدالسميع الأنيس (7/5/2017)،”عشر فوائد في علم التفسير”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-7-2020.