مقدمة
العالم من حولنا مليء بالظواهر التي تستحق الدراسة والتأمل، والضوء يعتبر أحد أهم هذه الظواهر. منذ القدم، سعى العلماء إلى فهم وتحليل طبيعة الضوء وأسراره. في هذا المقال، سنتناول الضوء، وخاصةً الضوء المرئي الذي تدركه العين البشرية، بالإضافة إلى استعراض خصائصه والاكتشافات العلمية التي حاولت تفسير ماهيته.
ما هو الضوء؟
الضوء هو شكل من أشكال الطاقة يتكون من موجات كهرومغناطيسية، وهو عبارة عن مزيج من الكهرباء والمغناطيسية. بعبارة أخرى، يمكن تعريفه بأنه طيف كهرومغناطيسي يشمل جميع الأطوال الموجية للضوء، بدءًا من السدم المظلمة وصولًا إلى النجوم المتفجرة. يلعب الضوء دورًا أساسيًا في عملية الإبصار.
الجدير بالذكر أن القرآن الكريم قد أشار إلى أهمية النور في سورة النور، الآية 35: “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”. هذه الآية تبرز قيمة النور وأهميته في الكون.
أصناف الضوء
يمكن تقسيم الضوء إلى نوعين رئيسيين استنادًا إلى قدرة العين البشرية على رؤيته:
- الضوء المرئي
- الضوء غير المرئي
نطاق الضوء المرئي
الضوء المرئي يمثل جزءًا صغيرًا فقط من الإشعاع الكهرومغناطيسي، ويتميز بتردد وطول موجي معين يتراوح بين 400 نانومتر (للموجات البنفسجية القصيرة) و700 نانومتر (للموجات الحمراء الطويلة). هذا النطاق هو الوحيد الذي يمكن للإنسان رؤيته.
يُعتبر الضوء المرئي أساسيًا لرؤيتنا للعالم من حولنا، وكل لون نراه يمثل طولًا موجيًا محددًا ضمن هذا النطاق.
نطاق الضوء غير المرئي
يشمل هذا النطاق أجزاء من الطيف الكهرومغناطيسي التي لا تستطيع العين البشرية رؤيتها. وينقسم إلى قسمين رئيسيين:
الأمواج الطويلة
- الأمواج تحت الحمراء
- المايكروويف
- الراديو
الأمواج القصيرة
- الأمواج فوق البنفسجية
- الأشعة السينية
- أشعة جاما
تستطيع بعض الحيوانات، مثل النحل، رؤية الضوء فوق البنفسجي، مما يمنحها قدرات رؤية مختلفة عن الإنسان.
تطور النظريات حول الضوء
في الماضي، كانت النظرية السائدة، خاصةً لدى الإغريق، تفترض أن الضوء ينبعث من العين البشرية نحو الأجسام المراد رؤيتها. استمر هذا الاعتقاد حتى ظهور العالم المسلم ابن الهيثم، الذي غير العديد من المفاهيم الخاطئة حول الضوء.
أوضح ابن الهيثم أن الضوء يسقط على الأجسام ثم ينعكس إلى العين، لتصل هذه الموجات إلى المخ الذي يعطينا صورة الأشياء. ألف ابن الهيثم كتابًا مشهورًا في هذا المجال بعنوان “المناظر”، والذي ترجم إلى العديد من اللغات.
ساهم العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن أيضًا في فهم الضوء، حيث أوضح أن الضوء الأبيض يتكون من طيف من الألوان الأخرى (ألوان الطيف السبعة). اكتشف ذلك من خلال تجربة المنشور الزجاجي.
نيوتن درس الضوء من ناحية ميكانيكية، واعتبره سيلًا من الجسيمات الدقيقة جدًا. لاحقًا، تبين أن للضوء صفات موجية، مما أدى إلى مفهوم الطبيعة المزدوجة للضوء (الموجية والجسيمية). أُطلق على الجسيمات الدقيقة للضوء اسم الفوتونات.
سمات الضوء
للضوء العديد من الخصائص المميزة، بما في ذلك:
- الطول الموجي والتردد: العلاقة بينهما عكسية. الموجات الضوئية ذات الطول الموجي القصير لها ترددات أعلى.
- الانتشار في خطوط مستقيمة.
- القدرة على الانتقال عبر الفراغ والهواء والماء.
- السرعة الهائلة: تبلغ سرعة الضوء في الفراغ حوالي 299,792,458 متر/ثانية.
- الانعكاس: ارتداد الضوء عند سقوطه على جسم عاكس كالمرايا.
- الانكسار: انحراف مسار الشعاع الضوئي عند انتقاله من وسط إلى آخر (مثل الماء إلى الهواء).
- التراكب أو التداخل: تداخل موجتين أو أكثر، مما يؤدي إلى تداخل بناء أو هدام.
- الانحراف أو الحيود: انحناء الموجة الضوئية عند مرورها عبر ثقوب صغيرة.
- التشوش: ظهور مناطق ذات كثافة عالية وأخرى ذات كثافة منخفضة نتيجة لتداخل الموجات.
مجالات استخدام الضوء
للطيف الكهرومغناطيسي استخدامات عديدة، منها:
- أشعة جاما: تستخدم في قضبان الوقود في محطات الطاقة النووية.
- الأشعة السينية: تستخدم لرؤية ما داخل الأجسام في الصور الطبية.
- الضوء فوق البنفسجي: يستخدم لتطهير الأشياء وصناعة التلسكوبات.
- موجات الميكروويف: تستخدم لطهي الطعام.
- الموجات اللاسلكية (الراديو): تستخدم للتواصل عبر مسافات كبيرة.
النجوم الحمراء هي الأبرد، ولا تبعث أي ضوء مرئي على الإطلاق، ولا يمكن رؤيتها إلا من خلال التلسكوبات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء.
مصادر الضوء
مصادر الإشعاع الكهرومغناطيسي متنوعة، وتقسم عادةً إلى فئتين:
- المصادر الطبيعية: الشمس، النجوم، البرق، وأي جسم موجود عند درجة حرارة أعلى من الصفر المطلق.
- المصادر الصناعية: المصابيح، السخانات، أشعة الليزر، الراديو، التلفزيون، والرادارات.
هناك نوعان من الأطياف مهمان في الضوئيات: أطياف الانبعاث وأطياف الامتصاص.
- طيف الانبعاث: الضوء المنبعث من المصدر.
- طيف الامتصاص: الضوء الذي يمر داخل جسم يمتص الضوء.
جميع المواد ذات درجات الحرارة فوق الصفر المطلق تصدر إشعاعات كهرمغنطيسية. كل ذرة أو جزيء لديه مجموعة مميزة من الخطوط الطيفية الخاصة به وتميزه عن باقي العناصر أو الجزيئات.