مقدمة
يعتبر الصيام ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام، وهو عبادة جليلة القدر تتجسد فيها معاني التقوى والإخلاص. يهدف هذا المقال إلى تقديم نظرة شاملة حول فريضة الصيام، بدءًا بتعريفها اللغوي والاصطلاحي، مرورًا باستعراض الأدلة الشرعية التي تثبت مشروعيتها، وصولًا إلى تفصيل الأمور التي تعتبر مُبطلة للصيام، مع الاستناد إلى آراء الفقهاء والأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
المعنى اللغوي والاصطلاحي للصيام
في اللغة العربية، يُشير الصيام إلى الإمساك والكف عن شيء ما، سواء كان قولًا أو فعلًا. فالأصل اللغوي لكلمة “صيام” مشتق من الفعل “صام”، الذي يعني أمسك وامتنع. أما في الاصطلاح الشرعي، فقد تعددت تعريفات الفقهاء للصيام، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
- عند الحنفية: هو الإمساك بنية عن المفطرات الثلاث المعروفة: الطعام، والشراب، والجماع، وذلك في وقت محدد شرعًا.
- عند المالكية: هو الامتناع عن بعض الشهوات، وبالأخص شهوتي الفرج والفم (الطعام والجماع)، بنية التقرب إلى الله تعالى، على أن يكون ذلك الإمساك نهارًا كاملًا.
- عند الشافعية: هو إمساك مخصوص من شخص مخصوص عن شيء مخصوص، في مدة معينة من اليوم.
- عند الحنابلة: هو الإمساك عن أمور مخصوصة في وقت مخصوص من شخص مخصوص بنية التقرب إلى الله تعالى.
دليل مشروعية الصيام
تتجلى مشروعية الصيام بوضوح في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، حيث وردت العديد من الآيات والأحاديث التي تحث على الصيام وتبين فضله. ومن الأدلة على ذلك:
- من القرآن الكريم: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 183-184]. هذه الآية الكريمة تدل على فرضية الصيام على المسلمين، وأنه عبادة قديمة كانت مفروضة على الأمم السابقة، وأن الغاية منه هي تحقيق التقوى.
- من السنة النبوية: ما رواه ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ النَّاسَ كانوا قبلَ أن يُنزَلَ في الصِّيامِ ما نُزِّلَ يأكُلونَ ويشرَبونَ ويَحِلُّ لهم شأنُ النِّساءِ، فإذا نام أحدُهم لم يَطعَمْ ولم يَشرَبْ ولم يأتِ أهلَهُ حتَّى يُفطرَ من القابِلَةِ، وأنَّ عمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُ بعد ما نامَ ووجبَ عليهِ الصِّيامُ وقع على أهلِهِ، ثُمَّ جاءَ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: أشكو إلى اللَّهِ وإليكَ الَّذي أصبتُ قال: وما الَّذي صنعتَ؟ قال: إنِّي سوَّلَت لي نفسي فوقَعتُ على أهلي بعدَما نِمتُ وأردتُ الصِّيامَ فنزَلَت أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ إلى قوله فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ). هذا الحديث يبين تيسير الله على المسلمين في أحكام الصيام.
الأمور التي تفسد الصيام
تنقسم الأمور التي تبطل الصيام إلى قسمين: أمور متفق عليها بين العلماء، وأخرى مختلف فيها. ومن الأمور المختلف فيها: الإغماء، والجنون، والحجامة. وفيما يلي تفصيل للأمور المتفق عليها التي تفسد الصيام:
- الجماع: اتفق الفقهاء على أن الجماع يبطل الصيام، لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: 187].
- الاستقاءة: وهي تعمد القيء، ويعتبرها جمهور الفقهاء مبطلة للصيام، بينما اشترط الحنفية أن يكون القيء ملء الفم.
- الأكل والشرب عمدًا: أما إذا كان الأكل والشرب سهوًا، فلا يترتب على الصائم قضاء ولا كفارة.
- دخول شيء إلى الجوف: سواء كان ذلك عن طريق الحلق، أو المعدة، أو الفرج.
- الردة: وهي الخروج عن الدين الإسلامي.
- الحيض والنفاس والولادة: وهي أحكام خاصة بالمرأة، حيث يبطل الصيام إذا نزل الدم قبل غروب الشمس.
المراجع
- كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 87.
- ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري، صفحة 276.
- القرافي، الذخيرة، صفحة 485.
- النووي، المجموع شرح المهذب، صفحة 247.
- البهوتي، شرح منتهى الإرادات، صفحة 469.
- ابن حجر العسقلاني، موافقة الخبر الخبر، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:311، حسن.
- محمد حسان، دروس للشيخ محمد حسان، صفحة 9-13.
- القرآن الكريم.