مقدمة
تعتبر زيارة القبور من الأمور التي شرعها الإسلام للتذكير بالآخرة وأخذ العبرة من أحوال الأموات. وقد اختلف العلماء في حكم زيارة النساء للمقابر، وسنتناول في هذا المقال تفصيل هذه المسألة مع بيان الأدلة والضوابط الشرعية المتعلقة بها.
الرأي الشرعي في زيارة المرأة المحيض للمقبرة
في الواقع، لا يوجد فرق في الحكم بين المرأة الحائض وغير الحائض فيما يتعلق بزيارة القبور. فمسألة زيارة المرأة للمقابر تخضع لآراء مختلفة بين الفقهاء. يرى أغلبية العلماء أنه يجوز للمرأة زيارة المقابر، ولا يوجد ما يمنعها بسبب الحيض.
أسباب الاختلاف في حكم زيارة النساء للمقابر
يرجع سبب الخلاف في هذه القضية إلى وجود وعيد شديد اللهجة في الأحاديث النبوية بشأن النساء اللاتي يكثرن من زيارة القبور. فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم-:(لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ زوَّاراتِ القُبورِ)، وهذا الحديث أثار جدلاً حول جواز الزيارة للنساء بشكل عام.
وفي المقابل، وردت أحاديث أخرى تجيز زيارة القبور للرجال والنساء على حد سواء، منها قوله -صلى الله عليه وسلم-:(كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزوروها فإنها تُذكِّرُكم الآخرةَ). وقد حاول العلماء الجمع بين هذه الأحاديث المتعارضة.
ذهب الإمام الحاكم في مستدركه إلى أن الحديث الأول قد نُسخ بالحديث الثاني. بينما قام الإمام القرطبي بتقديم تفسير يجمع بينهما، وتبعه في ذلك عدد من العلماء. حيث أوضحوا أن اللعن في الحديث موجه إلى النساء اللاتي يكثرن من الزيارة بشكل مبالغ فيه، وذلك بسبب استخدام صيغة المبالغة “زوّارات” التي تدل على الإفراط. وبناءً على ذلك، فإن الرأي الراجح عند جمهور العلماء هو جواز زيارة القبور للنساء مع عدم الإكثار منها.
الدعاء المستحب عند زيارة القبور
مما يؤكد على جواز زيارة النساء للمقابر مع عدم الإكثار، ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر عائشة -رضي الله عنها- أن جبريل -عليه السلام- قال له:(إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ البَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لهمْ، قالَتْ: قُلتُ: كيفَ أَقُولُ لهمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: قُولِي: السَّلَامُ علَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وإنَّا -إنْ شَاءَ اللَّهُ- بكُمْ لَلَاحِقُونَ).
ومن الأدلة الأخرى على جواز زيارة المرأة للمقابر، ما أقره النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى امرأة تبكي عند قبر، فنصحها قائلاً:(اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي). فعدم إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- لجلوسها في المقبرة يدل على موافقته على فعلها.
الآداب والشروط المتعلقة بزيارة المرأة للمقابر
هناك عدة آداب وشروط يجب على المرأة مراعاتها عند زيارة المقابر، منها:
- تجنب الاختلاط بالرجال الأجانب أثناء الزيارة.
- تجنب الصراخ والنواح، وكذلك ضرب الخدود وشق الثياب.
- الابتعاد عن كل ما يؤدي إلى التبرج وإظهار الزينة.
حكم الدعاء للحائض عند زيارة القبور
يجوز للمرأة الحائض أن تقوم بالذكر والدعاء للموتى عند زيارة المقابر. والدليل على ذلك ما ذكره الشيخان في صحيحيهما من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمح لعائشة -رضي الله عنها- أثناء حجها وهي حائض، بالقيام بجميع أعمال الحج باستثناء الطواف بالكعبة. فمعظم أعمال الحج تقوم على الذكر والدعاء والاستغفار، وخاصة في أيام التشريق.
حكم زيارة قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- للنساء
يرى العديد من العلماء جواز زيارة المرأة لقبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك لأن القبر محاط بجدران وحوائط، ويعتبر العلماء ذلك بمثابة زيارة غير مباشرة، حيث لا تقف المرأة بجانب القبر مباشرة.
أهمية زيارة المقابر
اتفق الفقهاء على استحباب زيارة القبور للرجال، لما لها من أهداف نبيلة تعود على المسلم بالنفع في الدنيا والآخرة. فهي تذكر المسلم بالآخرة، وتعتبر أول منازلها. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:(كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزوروها فإنها تُذكِّرُكم الآخرةَ).
وكان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- زيارة مقبرة البقيع والدعاء للموتى فيها بالعافية.
المراجع
- مجموعة مؤلفين (12/7/2003)،”أدلة جواز زيارة المرأة للقبور”،اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 7/3/2022. بتصرّف.
- رواه ابن ماجة، في سنن ابن ماجة، عن ابي هريرة، الصفحة أو الرقم:1291 ، حسن.
- رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي ، الصفحة أو الرقم:1054، صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:974 ، صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1252، صحيح.
- ابن عثيمين،كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 313 – 316. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 88 – 89. بتصرّف.