مقدمة
تعتبر زيارة القبور من العادات التي يقوم بها المسلمون للاعتبار والتذكر، ولكن ما هو الحكم الشرعي لزيارة قبور الأنبياء على وجه الخصوص؟ وما هي الضوابط التي يجب مراعاتها في هذه الزيارة؟ هذا ما سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال.
بيان حكم ارتياد قبور الأنبياء
زيارة قبور المسلمين أمر مستحب بشكل عام، ويشمل ذلك قبور الأنبياء، وذلك لأنها تذكر بالآخرة والموت، فالهدف الأساسي من الزيارة هو الاعتبار والاتعاظ، والدعاء للموتى والسلام عليهم. وقد ورد في الحديث الشريف قوله -صلى الله عليه وسلم-:
“فَزُورُوا القُبُورَ؛ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ.” [رواه مسلم]
أما إذا تحولت الزيارة إلى وسيلة للتبرك بالقبور، كأن يطوف الزائر حول القبر أو يتمسح بترابه، فإن ذلك يصبح غير جائز شرعاً، لأنه يعد وسيلة من وسائل الشرك بالله تعالى.
حكم السفر بقصد زيارة الأضرحة النبوية
لا يجوز السفر بقصد العبادة إلا لثلاثة مساجد فقط، كما جاء في الحديث النبوي الشريف:
“لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، ومَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومَسْجِدِ الأقْصَى” [رواه البخاري ومسلم].
لذا، فمن الأفضل للمسلم إذا عزم على السفر للعبادة أن يقصد هذه المساجد الثلاثة. وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ قبره عيداً يُعتاد زيارته بشكل دوري، بل حث على استبدال ذلك بالصلاة عليه، فقال:
“لا تجعلوا بيوتَكُم قبورًا، ولا تجعلوا قَبري عيدًا، وصلُّوا عليَّ فإنَّ صلاتَكُم تبلغُني حَيثُ كنتُمْ.” [رواه أبو داود]
نظرة على الأحاديث الواردة في فضل زيارة قبر النبي
الأحاديث التي تتحدث عن فضل زيارة القبر النبوي الشريف، أغلبها أحاديث ضعيفة أو موضوعة، كما أكد ذلك العلماء والمختصون في الحديث، ومن أمثلة هذه الأحاديث:
- “من زارَني بعدَ مَماتي فكأنَّمازارَني في حياتي”
- “منْ زارني بالمدينةِ محتسبًا؛ كنتُ لهُ شهيدًا أو شفيعًا يومَ القيامةِ”
أما بالنسبة للحديث النبوي:
“نَهَيْتُكُمْ عن زِيارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوها” [رواه مسلم]
فإنه لا يدل على جواز السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، بل يفيد العظة والتذكير بالآخرة، ولا يختص بقبر معين، بل يتحقق المقصود بزيارة أي قبر.
زيارة القبور القريبة تحقق نفس الغاية من زيارة القبور البعيدة، وهي العظة والتذكير بالآخرة. ولم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه شد الرحال أو سافر لزيارة قبر أحد من الأنبياء والصالحين.
الغاية من زيارة المقابر
تتجسد الغاية من زيارة القبور في المقاصد التالية:
- الاتعاظ والاعتبار، بتذكر الموت والآخرة.
- الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة، وهذا يعتبر إحساناً للميت.
- اقتداء بالسنة النبوية في زيارة القبور، مما يكسب الزائر الأجر والثواب.
لم يرد عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم شدوا الرحال وسافروا لزيارة قبور الصالحين، ولكن لا بأس بزيارة هذه القبور للعبرة والاتعاظ فقط. وعلى المسلم أن ينشغل بما هو أهم، وأن يركز على اتباع سنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الثابتة، وأن يبتعد عن كل ما قد يشكل عليه، وأن يحرص على الامتثال لأوامر الله على أكمل وجه.
المراجع
- صحيح مسلم، عن أبي هريرة.
- مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، محمد التويجري.
- صحيح البخاري، عن أبي هريرة.
- فتاوى في التوحيد، عبدالله بن جبرين.
- صحيح أبي داوود، عن أبي هريرة.
- الفرق بين العبادات، ابن تيمية، عن عبدالله بن عمر.
- السلسة الضعيفة، الألباني، عن أنس بن مالك.
- صحيح مسلم، عن بريدة الأسلمي.
- الكشف المبدي، محمد الفقيه.