استضاح معاني سورة المجادلة

دراسة لآيات حكم الظهار، أسباب النزول، تفسير الآيات المتعلقة بغير المسلمين، وعقوبة موالاة الكافرين، وفهم الآيات الدالة على إحاطة علم الله.

مقدمة

سورة المجادلة، سورة مدنية، تتناول العديد من الأحكام والقضايا الهامة في الشريعة الإسلامية، وتتميز بأسلوبها البليغ وتفصيلاتها الدقيقة. تتطرق السورة إلى قضايا اجتماعية وأخلاقية، بالإضافة إلى أحكام فقهية تتعلق بالأسرة والمجتمع. تهدف هذه المقالة إلى تقديم شرح مبسط وتفسير واضح لبعض آيات سورة المجادلة، مع التركيز على المعاني الأساسية والأحكام المستنبطة منها.

إيضاح أحكام الظهار

الظهار هو قول الرجل لزوجته: “أنت علي كظهر أمي”. كان هذا القول يعتبر طلاقًا في الجاهلية. وقد جاء الإسلام ليبين حكمه وكيفية التعامل معه. سبب نزول الآيات التي تتحدث عن الظهار يعود إلى قصة الصحابي أوس بن الصامت وزوجته خولة بنت ثعلبة -رضي الله عنهما-.

قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ* الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّـهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).

بعد أن ظاهر أوس من زوجته، ذهبت خولة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تشتكي وتستفتيه في أمرها. فأنزل الله هذه الآيات ليبين أن الظهار ليس بطلاق، ولكنه قول منكر وزور، وأن له كفارة يجب على المظاهر أن يؤديها.

شرح وتفسير آيات الظهار

تبين الآيات الكريمة كفارة الظهار، وكيفية التكفير عن هذا الذنب.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

فالكفارة هي: أولاً تحرير رقبة، أي عتق عبد. فإن لم يجد المظاهر عبدًا، فعليه صيام شهرين متتابعين قبل أن يعود إلى زوجته. وإن لم يستطع الصيام، فعليه إطعام ستين مسكينًا. ويجب أداء الكفارة قبل أن يعود الزوج إلى زوجته.

تفسير الآيات الخاصة بغير المسلمين

تناولت السورة أيضًا الحديث عن الكافرين وعن مصيرهم وعاقبة موالاتهم.

بيان جزاء موالاة الكافرين

توضح الآيات خطورة موالاة الكافرين وعاقبة ذلك في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ* لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ* اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ أُولَـئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

تحذر الآيات من اتخاذ الكافرين أولياء، وتبين أن المنافقين الذين يوالون الكفار هم من حزب الشيطان، وأنهم خاسرون في الدنيا والآخرة. كما تذكر الآيات أنهم يحلفون كذبًا ويصدون عن سبيل الله، وأن أموالهم وأولادهم لن تغني عنهم من الله شيئًا.

كما بينت الآيات غلبة حزب الله على الكافرين:

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ* كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ* لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَـئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

تفسير الآيات التي تشير إلى سعة علم الله

تؤكد الآيات على أن الله تعالى يعلم كل شيء، وأنه لا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

تشير الآية إلى أن علم الله محيط بكل شيء، وأنه يعلم السر والعلن، وأن الله سبحانه وتعالى مع كل اجتماع سواء كان صغيرًا أو كبيرًا.

تفسير آيات الآداب الإسلامية

تتضمن السورة عددًا من الآداب الإسلامية الرفيعة.

النهي عن التناجي بالإثم:

قال تعالى:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّـهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّـهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ* إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

أدب المجالسة في الإسلام:

قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّـهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول:

قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

فهم سورة الماعون للصغار: معاني ودروس

المقال التالي

شرح مبسط لسورة المدثر للأطفال

مقالات مشابهة