عِبر ومواعظ من آيات السورة
تتضمن سورة السجدة مجموعة من الدروس والعبر الهامة التي يمكن استخلاصها، ومن أبرزها:
-
التأمل في عظمة الخالق: يجب على الإنسان أن يتأمل في عظمة الله وقدرته المتجلية في خلق الكون وتدبير شؤونه. لقد خلق الله السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام بقدرته العظيمة.
قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}. - أصل خلق الإنسان: تذكير الإنسان بأصل خلقه من الطين، مما يظهر عظمة الله في مراحل الخلق المختلفة. يبين لنا مراحل خلق الإنسان، وكيف بدأ الله الخلق، وهو قادر على إعادته بعد الموت، رداً على إنكارهم للبعث. قال تعالى: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}.
- مصير المنكرين للبعث: بيان مصير الكافرين الذين ينكرون البعث، حيث ينتظرهم الحسرة والعذاب الشديد يوم القيامة. قال تعالى في وصف هذا المشهد: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رؤوسهم عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}.
- صفات المؤمنين ورفعة قدرهم: توضيح الصفات التي ترفع قدر المؤمنين عند الله، وهي الإيمان بآيات الله، والخشوع له، والتضرع إليه، والإنفاق في سبيله. قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}.
- جزاء المحسنين: وعد الله للمؤمنين الذين يجتهدون في طاعته بالنعيم المقيم الذي لا عين رأت ولا أذن سمعت. قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
- تمييز المصائر يوم القيامة: بيان تقسيم الناس يوم القيامة إلى فريقين: المؤمنين والكافرين، وأن مصير كل فريق مختلف تماماً عن الآخر. قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}.
- إرسال الهداة في الأمم: بيان كيف أرسل الله الأنبياء والعلماء والمصلحين في الأمم السابقة لهداية الناس وتذكيرهم بأوامر الله. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
- اعتبار بأحوال الأمم السابقة: الدعوة إلى الاعتبار بأحوال الأمم السابقة وأخذ العظة من مساكنهم وآثارهم. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ}.
- النظر في خلق الله: التأمل في كيفية إنزال الماء على الأرض الجرداء وتحويلها إلى أرض خضراء مثمرة. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ}.
- الإعراض عن جدال الكافرين: الإعراض عن إجابة الكافرين عندما يسألون عن موعد يوم القيامة، وانتظار وعد الله فيهم. قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ}.
لمحة عن سورة السجدة
سورة السجدة هي سورة مكية نزلت في مكة المكرمة، وعدد آياتها ثلاثون آية. وقد سُميت بهذا الاسم؛ بسبب ذكر سجود المؤمنين لله عند سماع آياته، كما ورد في قوله تعالى:(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ). وتعرف أيضًا باسم “المُنجية” و”سورة المضاجع”؛ لورود الآية الكريمة: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} فيها.
تتفق سورة السجدة مع سورة البقرة في أن كلتيهما تبدآن بالحروف المقطعة “الم”، والإشارة إلى أن القرآن الكريم منزل من عند الله. لكن طريقة التعبير تختلف بحسب المخاطبين. فالآية الثانية من سورة السجدة نزلت في مكة على المشركين، بينما نزلت سورة البقرة في المدينة بين المسلمين وأهل الكتاب.
أهمية سورة السجدة
وردت أحاديث نبوية شريفة تبين فضل سورة السجدة. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الفَجْرِ يَومَ الجُمُعَةِ: {الم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةِ، وَ{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}). وعن جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك).
المصادر
- سورة السجدة، الآيات المذكورة في النص.
- تفسير القرطبي.
- التحرير والتنوير لابن عاشور.
- صحيح مسلم.
- سنن الترمذي.