استحقاقات الزوجة بعد الانفصال: نظرة شاملة

دليل شامل لحقوق المرأة بعد الطلاق في الإسلام. يشمل الحق في المهر (المقدم والمؤخر)، النفقة بأنواعها، والسكن، وأجرة الرضاع، والحضانة.

مقدمة

الشريعة الإسلامية تولي اهتماماً كبيراً لحقوق المرأة، وتمنحها مكانة خاصة نظراً لأهمية دورها في بناء الأسرة والمجتمع. وفي المقابل، تضمن الشريعة حقوق الرجل أيضاً، مما يستوجب على كلا الطرفين معرفة حقوقه وواجباته تجاه الآخر، والعمل على تحقيق التفاهم والرضا بينهما. قد تنشأ خلافات تؤدي إلى الانفصال والطلاق، مما يستدعي تحديد الحقوق المترتبة على ذلك، لضمان عدم تعرض أي من الطرفين للضرر أو الظلم. فالانفصال له تبعات ينبغي تنظيمها بدقة لحماية كل طرف من أية أضرار محتملة.

استحقاق الزوجة للمهر

المهر في اللغة يعني الصدق والإخلاص، وهو المال الذي يدفعه الزوج لزوجته بموجب عقد الزواج. ويعتبر المهر دليلاً على صدق نية الزوج ورغبته في الارتباط بزوجته، ويُعرف أيضاً بالنحلة والعقر. تشريع المهر يؤكد على مكانة المرأة الرفيعة ويحفظ كرامتها، ويساعدها في الاستعداد للحياة الزوجية وتلبية احتياجاتها. المهر حق خالص للمرأة، ولا يجوز لأحد أن يأخذه منها أو ينتقص منه، ويجوز لأوليائها قبضه نيابة عنها.

يقول الله تعالى: ﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: 20].

وقد ثبتت مشروعية المهر في القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع:

  • القرآن الكريم: ذكر المهر في عدة آيات، منها:
    • قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: 24].
    • قوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: 4].
    • قوله تعالى: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [البقرة: 236].
  • السنة النبوية: روى أنس بن مالك رضي الله عنه:

    “أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ رأى عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ وعليْهِ رِدعُ زعفرانٍ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ مَهيِم فقالَ يا رسولَ اللَّهِ تزوَّجتُ امرأةً قالَ ما أصدقتَها قالَ وَزنَ نواةٍ من ذَهبٍ قالَ أولِم ولو بشاةٍ”.

  • الإجماع: أجمع العلماء على مشروعية المهر في النكاح.

المهر المقدم

المهر المعجل هو المبلغ الذي يدفعه الزوج كاملاً لزوجته قبل الدخول بها أو قبل الطلاق أو الوفاة. اتفق العلماء على استحباب تعجيل المهر، لأن الشريعة الإسلامية تحث على أداء الحقوق في وقتها دون تأخير أو مماطلة. واختلفوا في حكم عدم تقديم أي جزء من المهر قبل الدخول.

  • الرأي الأول: يرى جمهور العلماء أن تقديم جزء من المهر قبل الدخول مستحب. واستندوا إلى روايات منها حديث عقبة بن عامر:

    “أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ زوَّجَ رجلًا امرأةً برضاهما؛ فدخل بها الرجلُ ولم يفرض لها صداقًا ولم يُعطها شيئًا، وكان ممن شهد الحديبيةَ، وكان من شهدها له سهمٌ بخيبرَ، فحضرتْهُ الوفاةُ؛ فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ زوَّجني فلانةَ ولم أفرض لها صداقًا ولم أُعطها شيئًا، ولكني أُشهدكم أنِّي أعطيتُها من صداقها سهمي بخيبرَ، قال: فأخذتْهُ فباعتْهُ بمائةِ ألفٍ”.

  • الرأي الثاني: يرى البعض وجوب تقديم شيء من المهر قبل الدخول، واستندوا إلى ما رواه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي:

    أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “التَمِسْ ولو خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ”.

المهر المؤخر

المهر المؤخر هو المبلغ الذي يتم تأجيل دفعه إلى وقت لاحق. تعددت آراء العلماء في هذه المسألة، ويمكن تلخيصها كما يلي:

  • الرأي الأول: يرى الإمام أبو حنيفة وابن حزم الظاهري أن المهر المؤخر باطل، ويجب أن يكون المهر معجلاً. واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: 4].
  • الرأي الثاني: يرى الإمامان الشافعي ومالك أن تأخير المهر يفسد العقد، ويجب دفع مهر المثل للزوجة.
  • الرأي الثالث: يجوز تأخير المهر إلى مدة محددة.
  • الرأي الرابع: يرى الحنابلة لزوم المهر المؤخر حتى لو لم تحدد مدة، ويستحق عند الموت أو الطلاق. واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:

    “المسلمونَ على شروطِهمْ إلَّا شرطًا حرَّمَ حلالَا أوْ أحلَّ حرامًا”.

حق المطلقة في النفقة

الطلاق إما أن يكون رجعياً أو بائناً، ولكل نوع حكم خاص بالنفقة.

الطلاق الرجعي: اتفق الفقهاء على وجوب نفقة المطلقة طلاقاً رجعياً على الزوج خلال فترة العدة، وتشمل الطعام والشراب والسكن والملبس. واستدلوا بقول الله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: 1].

كما استدلوا بقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة: 228].

النفقة في الطلاق الرجعي

يتفق الفقهاء على ضرورة نفقة المطلقة طلاقًا رجعيًا من قبل الزوج خلال فترة العدة. ويشمل ذلك توفير الغذاء، والملبس، والمأوى. سواء كانت المطلقة حاملاً أم لا، فإن هذه النفقة تعتبر واجبة على الزوج. ويستدلون على ذلك بالآيات القرآنية التي تشير إلى حق المرأة في البقاء في منزل الزوجية خلال فترة العدة.

﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق: 6].

النفقة في الطلاق البائن

الحامل: اتفق الفقهاء على ثبوت حق النفقة والسكنى للمطلقة طلاقاً بائناً إذا كانت حاملاً. واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 6].

واستدلوا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: “وَاللَّهِ ما لَكِ نَفَقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا”.

غير الحامل: اختلف العلماء في حكم النفقة للمطلقة طلاقاً بائناً غير الحامل:

  • الرأي الأول: يرى الحنفية وجوب النفقة والسكنى لها.
  • الرأي الثاني: يرى المالكية والشافعية أن لها الحق في السكنى فقط.
  • الرأي الثالث: يرى الحنابلة والظاهرية أنها لا تستحق النفقة أو السكنى. واستدلوا بما ورد في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس:

    “طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةً”.

حق الزوجة في السكن

يجب على الزوج توفير المسكن للزوجة حتى وإن كانت في فترة العدة، وذلك استنادًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّـهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: 1].

يشير البيت المذكور في الآية الكريمة إلى المسكن الذي كانت تقطنه الزوجة وقت الانفصال سواء كان ذلك بالطلاق أو بالوفاة. وفقًا للمذهب الحنفي، يجوز للمطلقة طلاقًا رجعيًا البقاء في نفس المسكن مع زوجها، ويحق للزوج الاستمتاع بها بعد الطلاق بغرض مراجعتها، ويعتبر هذا الاستمتاع بمثابة الرجعة. أما إذا كان الطلاق مكملًا للثلاث أو كان طلاقًا بائنًا، فلا يجوز للزوج الإقامة مع المطلقة، وتبقى المطلقة في البيت استنادًا لقوله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾.

استحقاق الزوجة لأجرة الرضاع

الرضاع في الشرع هو إرضاع الطفل الذي لم يبلغ العامين من ثدي امرأة، بحيث يصل اللبن إلى جوفه، ويشترط أن يكون اللبن ناتجًا عن حمل. مشروعية الرضاعة ثابتة بقول الله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [البقرة: 233].

يتفق الفقهاء على استحقاق المطلقة لأجرة على إرضاع ولدها خلال العامين الكاملين، سواء كان الطلاق بائنًا أم رجعيًا.

حق الزوجة في الحضانة

الحضانة لغةً هي الحفظ والصيانة والرعاية. ثبتت مشروعية الحضانة للأم في القرآن والسنة والإجماع والمعقول.

من القرآن قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233].

من السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أنَّ امرأةً قالت يا رسولَ اللهِ إنَّ ابني هذا كان بطني له وِعاءً وثديي له سقاءً وحِجري له حِواءً وإنَّ أباه طلَّقَني وأراد أن ينتزعَه منِّي فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنتِ أحقُّ به ما لم تَنكِحي”.

Total
0
Shares
المقال السابق

آثار الطلاق على حقوق الزوجة المتمردة في القانون العراقي

المقال التالي

حقوق المرأة بعد الانفصال بالتراضي: نظرة شاملة

مقالات مشابهة