مقدمة
تعتبر منطقة المغرب العربي جزءًا حيويًا من العالم الإسلامي، حيث شهدت قيام العديد من الدول والحضارات الإسلامية التي تركت بصمات واضحة في التاريخ والثقافة. من خلال هذا المقال، سنستعرض أبرز هذه الدول والإسهامات التي قدمتها للحضارة الإسلامية.
تأسيس الدولة الإدريسية
تعتبر الدولة الإدريسية أول دولة إسلامية مستقلة في المغرب، حيث امتدت فترة حكمها من عام 788م إلى 985م. تأسست هذه الدولة على يد الشريف مولاي إدريس بن عبد الله، وهو حفيد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. بعد فراره من مكة، استقر إدريس في مدينة وليلي، حيث احتضنته قبيلة آوربة الأمازيغية ودعمته في تأسيس دولته.
شهدت الدولة الإدريسية ازدهارًا في مختلف المجالات، حيث تطور العلم والطب والعمارة. كما انتشر المذهب المالكي في عهد الأدارسة، وتم إنشاء العديد من المدن الهامة مثل حجر النسر والبصرة وأقلام وجراوة ونكور وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، تطورت الصناعة البحرية وتم تحسين التجهيزات الحربية، مما ساهم في منع أي عودة بيزنطية إلى شمال إفريقيا.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
قيام دولة المرابطين
في القرن الحادي عشر الميلادي، ظهرت في جنوب المغرب الأقصى جماعة من البدو الرحل ينتمون إلى قبيلة صنهاجة الأمازيغية. تمكن عبد الله بن ياسين من توحيد هذه القبيلة تحت راية الدين، مما أدى إلى قيام دولة المرابطين وعاصمتها مراكش.
في عهد المرابطين، توسعت الدولة بصورة كبيرة واعتمدت على الجهاد في سبيل الله. تمكن المرابطون من توحيد القبائل المتناحرة تحت راية واحدة، وشكلوا قوة كبيرة حالت دون استيلاء الحملات الصليبية على بيت المقدس. كما ازدهر الأمن والتجارة في عهد المرابطين، وتم إلغاء الضرائب الجائرة مما أدى إلى انتشار الرخاء. اهتم المرابطون بالعلم وانتشر الفقه المالكي، وارتفع شأن الحديث والأدب والشعر، وظهرت علوم جديدة مثل الفلسفة والطب.
كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ”
عهد الدولة المرينية
حكم المرينيون المغرب لمدة تقارب القرنين، ولكنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على الإرث الكبير الذي تركه الموحدون. اتجه المرينيون نحو الحدود الترابية للمغرب الأقصى، وعملوا على تنظيم الجيش وفصل التدخل القبلي فيه عبر جعله مؤسسة عسكرية مستقلة. كما اهتموا بالأسطول البحري وأنشأوا أول دار لصناعة السفن، وقاموا ببناء أبراج حول الساحل المغربي.
ازدهر الاقتصاد في الدولة المرينية نتيجة الاستقرار والأمن، ونشطت الموانئ في التصدير والاستيراد. ظهرت مدن جديدة مثل فاس الجديدة وتلمسان الجديدة ومدينة تطاوين. دعم المرينيون التعليم العالي وشجعوا على التأليف والكتابة، وأنشأوا العديد من المدارس.
قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾
نهضة الدولة السعدية
وحد السعديون الدولة الداخلية وعملوا على إرساء دعائمها، وواصلوا حركة الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي. سعيهم نحو إرساء قواعد الدولة دفعهم لحيازة السلاح الناري، مما ساهم في ازدهار حركة التجارة. أسس السعديون دولتهم على أساس الملكية الوراثية.
عين السعديون السفراء واستقبلوا مبعوثي الدول الأخرى، واهتموا بالبادية المغربية من خلال الاهتمام بالزراعة والري. تطورت الصناعات في زمنهم، فظهرت صناعة الأسلحة واستخرجت المعادن وتوسع النشاط التجاري.
الدولة العلوية الشريفة
بعد زوال الدولة السعدية، عانى المغرب من انقسامات ونزاعات سياسية. ظهر الشريف مولاي رشيد الذي سعى لتوحيد البلاد من جديد، فبسط سلطته وأسس الدولة العلوية. تولى الحكم بعده السلطان مولاي إسماعيل، وشهدت الدولة في عصره قوة وثباتًا. دام حكمه حوالي 50 عامًا، أسس خلالها دولة بنظام سياسي قوي ومتين.
امتلك السعديون قوة عسكرية وسياسية هائلة ساعدتهم في بسط هيمنتهم، وتوالت انتصاراتهم التي وصلت إلى دخول مراكش ثم فاس، مما ساهم في قيام الدولة السعدية في المغرب. يعتبر الانتصار الأعظم للسعديين هو انتصارهم على البرتغال في معركة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاث)، وقد منح هذا الانتصار المغرب هيبة بين الدول المحيطة. ازدهر الاقتصاد في بداية الدولة السعدية وتنوعت الشبكات الاقتصادية، وظهرت علاقات جديدة مما أدى لزيادة الواردات والصادرات. من الناحية المعمارية، ظهر بناء المعامل والحصون والقلاع المتسلسلة، وتم بناء مدينة الصويرة التي أدى بناؤها لتنشيط المبادلات التجارية.
لم تكن فترة حكم السلاطيين العلويين سهلة، فقد واجهوا أزمات داخلية وخارجية عدة، وكان أبرزها فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م.
المراجع
- الحسن السائح، الحضارة الإسلامية في المغرب، صفحة 145-172. بتصرّف.
- حسن أحمد محمود، قيام دولة المرابطين، صفحة 325-437. بتصرّف.
- عامر حسن، دولة بني مرين، صفحة 207-247. بتصرّف.
- عبد الكريم كريم، المغرب في عهد الدولة السعدية، صفحة 228-273. بتصرّف.
- الحسن السائح، الحضارة الإسلامية في المغرب، صفحة 359-367. بتصرّف.
- وزارة الثقافة، “الحضارات المغربية”، تم الاطلاع بتاريخ 26/2/2022. بتصرّف.