إيضاح المنهجية في تنزيل الأحكام على القواعد الشرعية

استكشاف علم تنزيل الفروع على الأصول، شرح آليات التطبيق، أمثلة توضيحية، ومصادر أساسية في هذا المجال.

توضيح مفهوم علم تنزيل الفروع على الأصول

إن علم تنزيل الفروع على الأصول هو علم راسخ وممارس عبر التاريخ الإسلامي، منذ عهد الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، حيث استمر العلماء في تطويره وتصنيف الكتب التي تشرح أصول كل مذهب من المذاهب الأربعة المتبعة. وقد أصبح هذا العلم منهجية تطبيقية واضحة.

يستند هذا العلم إلى قوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ). [النساء: 83]

تشير الآية الكريمة إلى وجود أصل يتم استنباط الحكم منه، ومُستنبِط، وعملية استنباط بوسائل محددة. كما تؤكد الآية أن بعض أفراد الأمة أكثر علمًا بالدين والاستنباط من غيرهم. هذا العلم له مكانة عظيمة، وهو دليل على شمولية الدين الإسلامي وكماله وختمه للرسالات السماوية. لذا، من الضروري التعريف بهذا العلم الجليل.

لفهم هذا المصطلح بشكل كامل، يجب أولاً التعرف على مكوناته اللغوية والاصطلاحية:

  • خرج لغة: الأصل اللغوي لكلمة (خرج) يدل على معنيين أساسيين: الأول، النفاذ عن الشيء؛ والثاني، اختلاف لونين. المعنى الأول هو المقصود هنا.
  • التخريج في اصطلاح الأصوليين والفقهاء: يعني رد الخلافات الفقهية إلى القواعد الأصولية.
  • الفروع لغة: جمع فرع، ويدل على معانٍ متعددة، منها التفريق (يقال: فرَّع بين القوم إذا فرق بينهم) ومنها العلو، ويطلق على الكثرة.
  • الفرع اصطلاحاً: أحكام الشريعة الموجودة في كتب الفقه والتي لا تتعلق بالعقائد.
  • الأصل لغة: أساس الشيء.
  • الأصل اصطلاحاً: يطلق على الدليل أو القاعدة أو الراجح وغيرها.
  • تنزيل الأصول على الفروع اصطلاحاً: هو العلم الذي يوضح القواعد الأصولية التي استند إليها الأئمة أو أحدهم في إصدار الأحكام الشرعية في الفروع، مع ربط هذه الفروع بقواعدها أو إلحاق غيرها مما لم يفتِ فيه الأئمة بهذه القواعد.

آلية تنزيل الفروع على الأصول

تعتمد طريقة التنزيل غالبًا على أسلوب مؤلف الكتاب ومذهبه. حيث يذكر القاعدة الأصولية ثم يتبعها بتطبيقات فقهية لم تكن موجودة في زمن إمامه، أو يقوم بتنزيل بعض آراء إمامه على قواعد المذهب. وقد يذكر أيضًا آراء المذاهب الأخرى.

نماذج لتنزيل الفروع على الأصول

فيما يلي بعض الأمثلة التوضيحية:

الواو الناسقة

ذهب أَصْحَاب الشَّافِعِي -رضي الله عنه- إِلَى أن حرف الْوَاو الناسقة للتَّرْتِيب لا للجمع وهذا أصل، ومن فروعه: لو قال: سالمٌ جاءَ وغانم، فيدل على مجيء سالم دون غانم لأن الواو للترتيب وليست للجمع فلو كانت للجمع لكان المعنى أن سالم وغانم جاءا.

كلمة “من” للتبعيض

عِنْد الشَّافِعِي -رضي الله عنه- كَقَوْل الْقَائِل أكلت من الطَّعَام وَأخذت من المَال وَيُرِيد بِهِ الْبَعْض وهذا أصل، ويتفرع عليه: أَن الْمُتَيَمم يجب عَلَيْهِ نقل الصَّعِيد إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ فلابد وأن ينْقل بعض أَجزَاء الصَّعِيد-أي التراب- الذي سيتيمم به.

مطلق الأمر للتكرار

ذهب الشَّافِعِي -رضي الله عنه- إِلَى أَن مُطلق الْأَمر يَقْتَضِي التّكْرَار وهذا أصل، ويتفرع عليه: أن من لم يجد الماء فعليه أن يتيمم للظهر فإذا دخل وقت العصر فعليه أن يتيمم مرة ثانية لأن الأمر في الآية يقتضي التكرار.

الناسي والغافل لا يدخل في التكليف

فعل النَّاسِي والغافل لَا يدْخل تَحت التَّكْلِيف عِنْد الشَّافِعِي وهذا أصل، ويتفرع عنه كَلَام النَّاسِي لَا يبطل الصَّلَاة عند الشافعية؛ لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا كَانَ مُفْسِدا للصَّلَاة كَونه مَنْهِيّا عَنهُ وَالنَّاسِي لَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ لتعذر تَكْلِيفه فَلَا تفْسد الصَّلَاة.

الكفار مخاطبون بفروع الشرائع

الْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الْإِسْلَام عِنْد الشَّافِعِي -رضي الله عنه-, وهذا أصل ويتفرع عنه: أن الْمُرْتَد إِذا أسلم لزمَه قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة فِي أَيَّام رِّدَّة وَكَذَا أَيَّام الصّيام الْفَائِت فِي أَيَّام الرِّدَّة.

مصادر متخصصة في تنزيل الفروع على الأصول

ذكر الدكتور يعقوب الباحسين مجموعة من الكتب المتخصصة في التخريج من كل مذهب، ونذكر منها:

  • تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي الحنفي المتوفي 430هـ: يتميز الكتاب بضوابطه وقواعده التي تسهل حفظ الفروع، بالإضافة إلى كثرة الفروع الفقهية المبنية على القواعد.
  • مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول لأبي عبد الله محمد بن أحمد المالكي التلمساني: يتميز بمنهجه الفريد في تفصيل الأصول وترتيبها، وربط المسائل الأصولية بالفروع الفقهية المختلف فيها بناءً على الاختلاف في القواعد الأصولية. كما يكثر من ذكر الفروع الفقهية.
  • التمهيد في تخريج الفروع على الأصول لأبي محمد عبد الرحيم بن الحسين الأسنوي الشافعي المتوفى سنة 772هـ: رتبه على ترتيب مصادر التشريع، وأكثر من الأمثلة من القرآن الكريم. لم يرتبه على أبواب الفقه، مما أدى إلى فوات الكثير من القواعد والتفريعات.
  • القواعد والفوائد الأصولية لأبي الحسن علاء الدين بن محمد البعلي الحنبلي المعروف بابن اللحام المتوفى 803هـ: مزج المؤلف بين القواعد والفروع، واهتم بالجانب التطبيقي بشكل كبير. لم يغط كل القضايا الأصولية، لكنه تناول عددًا كبيرًا منها ورتبه على طريقة الأصوليين لكون القواعد شاملة وعامة.

قائمة المراجع

  • سورة النساء، آية: 83.
  • أسماء آل فاران، تخريج الفروع على الأصول من كتاب الاصطلام، صفحة 22-26. بتصرّف.
  • روضة الناظر محمد بن قدامة المقدسي تحقيق شعبان إسماعيل، مقدمة محقق روضة الناظر، صفحة 21. بتصرّف.
  • محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 53-54. بتصرّف.
  • محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 71. بتصرّف.
  • محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 75-77. بتصرّف.
  • محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 95. بتصرّف.
  • محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 98-99. بتصرّف.
  • يعقوب الباحسين، التخريج عند الفقهاء والأصوليين دراسة نظرية تطبيقية تأصيلية، صفحة 108-166. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

أساليب البحث عن الأحاديث النبوية

المقال التالي

تحقيق في حديث: اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافرا

مقالات مشابهة