إضاءات على سورة المطففين

شرح مبسط لسورة المطففين: وعيد الظالمين في الميزان، انكار الكافرين ليوم الحساب، مصير الفجار وعاقبتهم، منزلة الأبرار في الجنة، وتبدل الأحوال بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة.

مقدمة

سورة المطففين هي سورة مكية تتناول قضايا مهمة تتعلق بالعدل والحساب والجزاء. تُركز السورة على مصير الذين يطففون في الميزان، وتحذر من عاقبة إنكار يوم القيامة. كما أنها تبين حال الأبرار ونعيمهم في الجنة، وكيف يتبدل حالهم مع الكافرين يوم القيامة.

تحذير الظالمين في الميزان

تبدأ السورة بوعيد شديد لأولئك الذين لا يعدلون في معاملاتهم، بل يبخسون الناس حقوقهم. يقول الله تعالى:

{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ* أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.[١]

كلمة “ويل” تحمل معنى الهلاك والدمار. المطففون هم الذين يأخذون حقهم كاملاً إذا اشتروا، ولكنهم ينقصون الوزن أو الكيل إذا باعوا. وتتسائل الآيات ألا يعتقد هؤلاء أنهم سيُبعثون ليوم عظيم، يوم يقف الناس أمام الله للحساب؟ هذا التذكير يهدف إلى ردعهم عن الظلم وحثهم على العدل.

إنكار الكافرين ليوم الدين

تنتقل السورة للحديث عن موقف الكافرين من يوم القيامة وإنكارهم له. يقول الله تعالى:

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَّرْقُومٌ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.[٣]

“سجين” هو مكان كتابة أعمال الفجار، وقد فُسِّر بأنه مكان في أسفل الأرضين، أو أنه دلالة على الخسران والعذاب. يتوعد الله المكذبين بيوم الدين، الذين يعتبرون القرآن مجرد أساطير قديمة. إن هذا الإنكار نابع من طبيعة المعتدين الآثمين الذين لا يريدون الاعتراف بالحق.

مآل الكافرين يوم الحساب

بعد الحديث عن إنكارهم، تصف السورة مصير الكافرين وعاقبتهم في يوم الحساب. يقول الله تعالى:

{كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ* كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ* ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ* ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}.[٦]

الذنوب والمعاصي التي ارتكبها الكافرون قد غطت على قلوبهم وأعمتها عن الحق. ونتيجة لذلك، فإنهم سيُحجبون عن رؤية الله يوم القيامة، وهو أعظم أنواع العذاب. ثم إنهم سيدخلون نار جهنم ويُعذَّبون فيها، ويُقال لهم هذا هو العذاب الذي كنتم به تكذبون في الدنيا.

مقام الأبرار في يوم الحساب

بالمقابل، تصف السورة حال الأبرار ومكانتهم الرفيعة في الجنة. يقول الله تعالى:

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ* كِتَابٌ مَّرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ* إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ* يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ* خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ* عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}.[٨]

كتاب الأبرار مكتوب في عليين، وهو مكان عالٍ في الجنة يشهد عليه الملائكة المقربون. إنهم يعيشون في نعيم دائم، يجلسون على الأرائك الفاخرة وينظرون إلى جمال الجنة. تظهر السعادة والراحة على وجوههم، ويشربون من رحيق مختوم، وهو خمر الجنة الذي يختم بالمسك. هذا النعيم هو الذي يجب أن يتنافس فيه المتنافسون. هذا الرحيق ممزوج بـ “تسنيم”، وهو شراب خاص يشربه المقربون من الله.

تغير الأحوال بين المؤمنين والكافرين في الآخرة

تختم السورة ببيان كيف تتبدل الأحوال بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة. يقول الله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ* وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ* وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ* وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ* فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ* عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ* هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.[١٠]

في الدنيا، كان المجرمون يستهزئون بالمؤمنين ويسخرون منهم. كانوا يعودون إلى أهلهم فرحين بما فعلوه، ويتهمون المؤمنين بالضلال. ولكن في يوم القيامة، يضحك المؤمنون من الكافرين وهم جالسون على الأرائك في الجنة، وينظرون إليهم وهم يعذبون في النار. يسألون: هل جزي الكفار بما كانوا يفعلون؟

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تدبرات في سورة المطففين وفقًا لابن كثير

المقال التالي

فهم معاني سورة المعارج

مقالات مشابهة