مقدمة
سورة الذاريات هي سورة مكية تتناول العديد من القضايا الهامة التي تخص العقيدة الإسلامية. تتجلى في هذه السورة عظمة الخالق وقدرته، وتبين مصير المؤمنين والكافرين، وتحث على التفكر في آيات الله في الكون وفي الأنفس. وتسرد السورة أيضًا قصصًا من الأمم السابقة للعظة والاعتبار.
يمين الله على وقوع يوم الحساب
تبدأ السورة بأربعة أقسام عظيمة، يقسم الله بها على حقيقة وقوع يوم القيامة. هذه الأقسام هي: الذاريات، والحاملات، والجاريات، والمقسمات. وقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الأقسام، ولكن المعنى العام هو التأكيد على قدرة الله وعظمته، وأن وعده حق وقيام الساعة آت لا ريب فيه.
فالذاريات قيل إنها الرياح التي تحمل الأتربة، وقيل إنها النساء الوالدات. والحاملات قيل إنها السحب التي تحمل الماء، وقيل إنهن النساء الحوامل. والجاريات قيل إنها السفن التي تجري في البحار، وقيل إنها النجوم التي تجري في الفلك. والمقسمات قيل إنهم الملائكة الذين يقسمون الأرزاق والأعمال.
والهدف من هذه الأقسام هو إثبات أن اليوم الآخر حقيقة لا مفر منها، وأن الله سيحاسب الناس على أعمالهم، وسيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. وهذا تأكيد قاطع على أن وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ
.
مكافأة المحسنين وجزاء المسيئين
توضح السورة مصير المكذبين باليوم الآخر، والذين يسخرون من رسل الله. فهم الخراصون الذين يقولون كلامًا متناقضًا ومبنيًا على الظن والشك. ويذكر الله تعالى أنهم سيعذبون في نار جهنم بسبب كفرهم وإعراضهم عن الحق.
أما المؤمنون، فهم الذين يخشون ربهم بالغيب، ويحسنون إلى عباد الله. وهم الذين يستحقون جنات النعيم، ويكرمون فيها بكل أنواع الكرامة. وقد وصف الله تعالى بعضًا من صفاتهم الحميدة، مثل إنفاقهم في سبيل الله، وقيامهم الليل، واستغفارهم بالأسحار.
فقد قال تعالى واصفًا حال المؤمنين: إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّٰتٍ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَٰهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا۟ قَلِيلًا مِّنَ ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِىٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ
.
دعوة للتفكر في إبداع الخالق
تحث السورة على التدبر في خلق الله في الكون، ففي الأرض آيات بينات تدل على قدرة الله وعظمته. فقد خلق الله الأرض بتضاريس مختلفة، وجعل فيها جبالًا وأودية وأنهارًا وبحارًا. وسخر كل ما فيها للإنسان لكي ينتفع به.
ومن الآيات الدالة على عظمة الخالق أيضًا خلق الإنسان في أحسن تقويم، فقد وهبه الله السمع والبصر والعقل، وميزه عن سائر المخلوقات. وكذلك تقدير الأرزاق وتوزيعها على الناس، فكل إنسان يأخذ رزقه كاملا غير منقوص. وقد أقسم الله تعالى على ذلك بقوله: فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ إِنَّهُۥ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ
.
إن التفكر في هذه الآيات يقود الإنسان إلى الإيمان بالله تعالى، وإلى شكره على نعمه، وإلى الخوف من عذابه.
تأملات في آيات سيدنا إبراهيم
بعد أن بينت السورة إنكار الكافرين للبعث، ذكرت قصة إبراهيم عليه السلام مع ضيوفه من الملائكة، وذلك لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته على الحق. فقد لقي إبراهيم عليه السلام من قومه مثلما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قومه.
فقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم في صورة بشر، وسلموا عليه فرد عليهم السلام، وقدم لهم ضيافة من عجل سمين. ولكنهم لم يأكلوا، فأحس إبراهيم بالخوف منهم، فطمأنوه وأخبروه بأنهم رسل من عند الله، وأنهم جاؤوا ليبشروه بغلام عليم.
ولما سمعت امرأته سارة بذلك تعجبت، لأنها كانت عجوزًا عقيمًا. فأخبرتها الملائكة بأن هذا أمر الله، وأنه لا يعجزه شيء. ثم سألهم إبراهيم عن مهمتهم، فأخبروه بأنهم أرسلوا إلى قوم لوط لإهلاكهم بسبب فاحشة اللواط.
وقد ذكر الله تعالى قصة إبراهيم مع الملائكة في قوله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا۟ عَلَيْهِ فَقَالُوا۟ سَلَٰمًا قَالَ سَلَٰمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُۥٓ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا۟ لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُۥ فِى صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا۟ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ قَالُوٓا۟ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
.
دروس من قصص الأمم الماضية
تستعرض السورة بعض قصص الأمم السابقة التي كذبت رسل الله، فأهلكها الله بعذاب شديد. فمنهم قوم نوح الذين أغرقهم الله بالطوفان، وقوم عاد الذين أهلكهم الله بريح صرصر عاتية، وقوم ثمود الذين أخذتهم الصيحة، وقوم لوط الذين أمطر عليهم الله حجارة من سجيل.
وقوم فرعون وجنوده حيث اغرقهم الله في البحر الاحمر بعد ان تجبروا وطغوا في الأرض.
والهدف من ذكر هذه القصص هو العظة والاعتبار، وأن يعلم الناس أن عذاب الله حق، وأنه لا ينجو منه إلا المؤمنون.
تحذير من الإشراك بالله والصدود عن طاعته
تختتم السورة بالتحذير من الشرك بالله، وبالدعوة إلى عبادته وحده لا شريك له. فالله هو الخالق الرازق المحيي المميت، وهو المستحق للعبادة وحده.
وقد بين الله تعالى أن الهدف من خلق الإنسان هو عبادته، فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
. فمن أعرض عن عبادة الله فقد ضل ضلالًا مبينًا، واستحق العذاب الأليم.
المراجع
- تفسير القرطبي.
- التحرير والتنوير لابن عاشور.
- التفسير الوسيط للزحيلي.
- التفسير المنير للزحيلي.