مقدمة: غاندي.. منارة للسلام والإنصاف
غاندي، ذلك السياسي الهندي المرموق والزعيم الروحي للهنود، قاد بحق حركة الاستقلال في الهند وكان رائداً في المقاومة ضد الظلم والطغيان. دعا إلى عصيان مدني شامل، مما أفضى في نهاية المطاف إلى استقلال الهند. لقد كان ملهماً للعديد من الحركات التي سعت للمطالبة بالحرية والحقوق المدنية في مختلف أنحاء العالم. عُرف غاندي بلقب “المهاتما غاندي”، وهي كلمة تعني “الروح العظيمة”. كان الهنود يعتبرونه أباً للأمة، وهو يُعد من بين الشخصيات العظيمة في تاريخ البشرية.
مسيرة نضالية لا تعرف الحدود
يُعتبر المهاتما غاندي رمزاً للكفاح والنضال. وُلد في الثاني من أكتوبر عام 1869 وتُوفي في الثلاثين من يناير عام 1948. يُحتفل بيوم ميلاد غاندي سنوياً كيوم وطني يُعرف باسم “غاندي جايانتي”، وهو أيضاً اليوم العالمي للاعنف.
قاد غاندي العديد من الحملات الوطنية للمطالبة بحقوق الفلاحين والعمال والمزارعين، ودعاهم إلى عدم دفع الضرائب. كما طالب بحقوق المرأة ووضع حد للإقصاء الذي كانت تعانيه. دعا أيضاً إلى الاعتماد على الذات اقتصادياً، وقاد حملات وطنية للحد من الفقر، ودعا إلى تحقيق الوحدة الدينية والوطنية.
دعا غاندي إلى تعزيز التعاون للتخلص من السيطرة الأجنبية، وإلى التظاهر ضد بريطانيا لمغادرة الهند. نظراً لكفاحه الكبير، دخل غاندي السجن لسنوات عديدة، سواء في الهند أو في جنوب أفريقيا، بسبب الحركات التي قادها ومواقفه السياسية، لكن ذلك لم يثنه عما كان يؤمن به.
على الرغم من شهرته الواسعة، كان غاندي رجلاً متواضعاً ومحباً للخير. عاش في مجتمع مكتف ذاتياً، وكان يرتدي ملابس بسيطة يرتديها عامة الشعب، وكان طعامه نباتياً بسيطاً ويصوم لفترات طويلة. لم يكن غاندي منتمياً لنفسه، بل لقضايا شعبه.
اتبع غاندي مبادئ عديدة تعتمد على الأسس الاقتصادية والسياسية والدينية في آن واحد. كان المبدأ الأساسي فيها هو اللاعنف والحقيقة والشجاعة، وذلك بهدف إجبار المحتل على الخروج من وطنه وهزيمته ومواجهته بوعي كامل وعميق.
من أهم الأساليب التي اتبعها غاندي للاعتصام هي المقاطعة والصيام والعصيان المدني بقلب قوي لا يعرف الخوف. قادته هذه الأساليب الحكيمة إلى النصر، لأنه آمن بها حتى الموت، خاصةً أن مبدأ اللاعنف كان مبنياً على القوة وليس على الضعف، لأنه سياسة تعتمد على الضمير بشكل أساسي.
دعا غاندي أيضاً إلى فتح حوار بناء مع الطرف الآخر. اللافت أن إنجازات غاندي لم تقتصر على الهند، بل امتدت إلى جنوب أفريقيا، التي كانت مستعمرة بريطانية أيضاً، وكان يعمل بها العديد من الهنود. قاد غاندي في جنوب أفريقيا حملة للدفاع عن حقوق العمال الهنود العاملين هناك.
كان دفاعه هذا أمام الشركات والمصانع التي يعمل بها هؤلاء العمال. تُعد الفترة الممتدة من عام 1893 إلى عام 1915 من أهم مراحل التطور الشخصي والفكري والسياسي بالنسبة لغاندي، حيث أثرت فيه المشاهد العنصرية التي كان يراها، والتي كان يمارسها البيض ضد السود بالرغم من أنهم أصحاب البلاد الأصليين.
أنجز غاندي إنجازات كثيرة في مجال الكفاح والإنسانية والوقوف في وجه الظلم، أبرزها تعزيز ثقة العمال الهنود وأبناء الجالية الهندية في جنوب أفريقيا، وتقديم الدعم لهم وتخليصهم من عقدة النقص والخوف وانعدام الثقة، والعمل على رفع مستواهم الفكري والأخلاقي.
أنشأ غاندي صحيفة أسماها “صحيفة الرأي الهندي”، دعا من خلال صفحاتها إلى فلسفة اللاعنف، وأسس حزب المؤتمر الهندي للناتال كي يتولى الدفاع عن حقوق العمالة الهندية في جنوب أفريقيا.
حارب غاندي قانوناً يحرم على الهنود التصويت، ومنحهم هذا الحق، وعمل على التخلص من مرسوم آسيوي كان يفرض على اليهود تسجيل أنفسهم في منصات خاصة بهم، وكافح لأجل ثني الحكومة البريطانية عن تهجير الهنود من موطنهم الأصلي إلى جنوب أفريقيا.
دعا أيضاً إلى مكافحة القانون الخاص بإلغاء عقود الزواج غير المسيحية. بعد هذه الإنجازات العظيمة في جنوب أفريقيا، عاد إلى الهند لاستكمال المسيرة نفسها، وانتزاع الحقوق لأصحابها وتخليصهم من الظلم. نجاح غاندي في مهماته وأفكاره دليل على أن العدالة لا بد أن تسود.
سيظل المهاتما غاندي من الشخصيات العالمية الملهمة التي قدمت الكثير للإنسانية، ولم يقف مكتوف الأيدي ضد الظلم الذي كان يمارس على أبناء شعبه، وهذا يعلم العالم درساً رائعاً في معنى التضحية والصبر والمثابرة للوصول إلى العدالة.
خاتمة: إرث غاندي.. أمل يتجدد
في ختام هذه الإطلالة على حياة الزعيم الإنساني العالمي غاندي، يُمكن القول إن إرثه يمثل عنواناً للأمل والتفاؤل، والدعوة إلى العدل ومنح الحقوق لأصحابها، والتخلص من الظلم والتحكم من قبل الاستعمار. كان المهاتما غاندي مفكراً استطاع أن يحقق ما يصبو إليه.
وصل إلى التحرر باتباعه سياسة اللاعنف، مما جعله يحقق نصراً نظيفاً خالياً من القتل والدمار. الأمل الذي كان يؤمن به غاندي، والذي يدعو إلى تحرير الإنسان، تحقق بفضل إصراره وتصميمه.