مقدمة عن سورة النور
تعتبر سورة النور من السور المدنية، ويبلغ عدد آياتها أربع وستون آية. تقع في الجزء الثامن عشر من المصحف الشريف، وتحتل الترتيب الرابع والعشرين بين السور. نزلت بعد سورة الحشر، وافتتحت بـ (سورة أنزلناها). تناولت السورة قضايا هامة مثل حادثة الإفك، وتركز بشكل أساسي على توضيح أحكام العفة والستر.
وقد سُميت هذه السورة بـ “النور” لما تحمله من أنوار إلهية عظيمة، حيث قال الله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ). هذه الآية الكريمة تعكس المعاني العميقة التي تتضمنها السورة من هداية وإرشاد.
تحليل لمعنى الآية (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)
تحمل الآية الكريمة (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) الكثير من البشائر والدلالات الإيجابية. إنها جزء من الوعد الذي قطعه الله عز وجل لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لتكون برهاناً على صدق نبوته ورسالته. هذا الوعد يتضمن أن الله سيجعل أمته خلفاء في الأرض، وهو ما تحقق بالفعل على مر التاريخ. فيما يلي، سنتناول تفصيلات هذا الوعد الإلهي.
رؤية السعدي في تفسير الآية
ذكر الشيخ السعدي في تفسيره أن هذه الآية تعتبر من الوعود الصادقة التي وعد الله بها عباده، والتي تجسدت على أرض الواقع. فقد قامت هذه الأمة بالإيمان الحق والعمل الصالح، فكان الاستخلاف في الأرض حليفًا لها، وأصبح قادتها هم الخلفاء الذين يديرون شؤونها. وقد مكنهم الله في دينهم الذي ارتضاه لهم، وهو الإسلام الذي علا على كل الأديان. وهكذا، بدل الله خوفهم من الكفار إلى أمن واستقرار، بعد أن استقر الإيمان في قلوبهم وتجسدت أركانه في أعمالهم الصالحة، فجاءهم التمكين والنصر.
نظرة ابن كثير حول الآية
أوضح ابن كثير في تفسيره أن الله تعالى وعد نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن أمته ستكون خلفاء في الأرض، أي قادة وولاة على الناس. وبفضل خلافتهم، سينتشر الأمن والعدل، وتزدهر البلدان، ويسود الأمن والأمان بين العباد. وبالتالي، سيبدل الله تعالى خوف الناس إلى أمن وطمأنينة.
وقد تحقق هذا الوعد الإلهي، حيث كانت الفتوحات الإسلامية تتوالى، والبلدان تفتح أبوابها للمسلمين. ولم يقبض الله روح نبيه صلى الله عليه وسلم حتى فتح له مكة وخيبر. ثم أكمل الصحابة الكرام المسيرة من بعده، واستمرت الفتوحات، وأقيمت دولة الإسلام على الأرض بلا خوف أو ذعر.
تأملات القرطبي في معنى الآية
ذكر القرطبي في تفسيره أن هذه الآية نزلت في حق الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، كما ذكر الإمام مالك. وأشار المفسر إلى أن سبب نزول هذه الآية هو أن بعض الصحابة الكرام جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكون من صعوبة مواجهة الأعداء، وأنهم لا يستطيعون وضع أسلحتهم، وأنهم يشعرون بخوف شديد على أنفسهم. فنزلت الآية لتبشر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالخير العميم.
الظروف المحيطة بنزول الآية الكريمة
يذكر القرطبي في تفسيره، نقلاً عن أبي العالية، أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكثوا في مكة عشر سنوات بعد الوحي وهم في حالة خوف، يدعون إلى الله سرًا وجهرًا. ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة، حيث كانوا أيضًا يعيشون في خوف، يمسون ويصبحون في السلاح.
فسأل أحدهم الرسول صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟” فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تلبثون إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليس عليه حديدة.” ثم نزلت هذه الآية، وأظهر الله نبيه على جزيرة العرب، فوضعوا السلاح وأمنوا.
مقومات الاستخلاف والتمكين في الأرض
روى مسلم عن ثوبان قال: سمعت النّبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ كَذلكَ. وَليسَ في حَديثِ قُتَيْبَةَ: وهُمْ كَذلكَ).
لقد تكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين إلى يوم القيامة، ولذلك فإن الخيرية ملازمة له. ولكن هذه الخيرية مرتبطة بشروط التمكين والاستخلاف في الأرض، وهي:
- الإيمان بالله تعالى.
- العمل الصالح.
- عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.
- عدم الإشراك به.
المراجع
- المصحف الإلكتروني، “تعريف سورة النور”.
- تفسير القرآن، “تفسير السعدي”.
- تفسير القرآن، “تفسير ابن كثير”.
- تفسير القرآن، “تفسير القرطبي”.
- صحيح مسلم، “حديث ثوبان”.
- المكتبة الشاملة، “شروط الاستخلاف والتمكين للمسلمين في الأرض”.