إضاءات حول آية (المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة)

تحليل وتفسير لآية (المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة) من سورة المائدة، مع شرح معاني الكلمات والأحكام الفقهية المستنبطة منها.

مقدمة

تعتبر آيات القرآن الكريم منارة هدى ونور للمسلمين، حيث تتضمن أحكامًا وتشريعات تنظم حياتهم وتوجههم نحو الصلاح والفلاح. ومن بين هذه الآيات، تبرز آية في سورة المائدة تتناول مجموعة من المحرمات في الأطعمة، وتوضح ضوابط الذكاة الشرعية. نسعى في هذا المقال إلى إلقاء نظرة فاحصة على هذه الآية، واستكشاف معانيها ودلالاتها الفقهية.

توضيح لغوي لمفردات الآية

قال الله -تعالى-:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).[١]

سنقوم بتوضيح بعض المفردات الواردة في هذه الآية الكريمة:

تعريف المنخنقة

المنخنقة هي الحيوان الذي يموت نتيجة الخنق، سواء كان ذلك بفعل إنسان أو بسبب التفاف حبل أو أي شيء آخر حول عنقه يؤدي إلى انقطاع نفسه.

مثال: شاة ماتت بعد أن علقت في سياج.

بيان الموقوذة

الموقوذة هي الحيوان الذي يُضرب بعصا أو حجر أو أي أداة صلبة أخرى، مما يؤدي إلى موته دون ذبح شرعي.

مثال: بقرة ماتت إثر ضربها على رأسها بحجر كبير.

تبيين المتردية

المتردية هي الحيوان الذي يسقط من مكان مرتفع، مثل جبل أو حفرة أو بئر، فيموت دون أن يتم تذكيته.

مثال: عنزة سقطت من جبل شاهق وماتت.

شرح النطيحة

النطيحة هي الحيوان الذي يموت نتيجة نطحه من حيوان آخر، مثل بقرة تنطح بقرة أخرى فتموت.

مثال: جمل مات بعد أن نطحه جمل آخر بقوة.

تفسير “وما أكل السبع”

“وما أكل السبع” يشير إلى الحيوان الذي افترسه حيوان مفترس، مثل الأسد أو الذئب، وأكل جزءًا منه.

مثال: دجاجة أكلها ثعلب.

توضيح “إلا ما ذكيتم”

هذا الاستثناء يعني أنه إذا أدرك المسلم الحيوان في أي من الحالات السابقة (المنخنقة، الموقوذة، المتردية، النطيحة، وما أكل السبع) وكان لا يزال فيه حياة، وتم تذكيته ذكاة شرعية بقطع الحلقوم والمريء، فإنه يجوز أكله.

والذكاة هي قطع الحلقوم والمريء بمحدد.

شرح “وما ذبح على النصب”

النصب هي حجارة كانت منصوبة حول الكعبة في الجاهلية، وكان المشركون يذبحون عليها تقربًا للأصنام. والذبح على النصب محرم لأنه ذبح لغير الله.

بيان “وأن تستقسموا بالأزلام”

الاستقسام بالأزلام هو طلب معرفة الغيب أو المستقبل عن طريق استخدام سهام أو قداح مكتوب عليها عبارات معينة، وهو نوع من أنواع التكهن المحرم.

المفهوم العام للآية الكريمة

تحرم الآية الكريمة أكل الميتة (وهي ما مات حتف أنفه دون تذكية شرعية)، والدم، ولحم الخنزير، وما ذبح لغير الله، بالإضافة إلى أنواع معينة من الحيوانات التي ماتت بطرق غير شرعية كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع. إلا أنه يستثنى من ذلك ما تم تذكيته ذكاة شرعية قبل موته.

وقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره أن هذه المحرمات مُنِعت لما تحتويه من أضرار محتملة على صحة الإنسان.

الأحكام الشرعية المستخلصة

تتضمن الآية الكريمة عدة أحكام فقهية، منها:

  • تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير بإجماع العلماء.
  • تحريم أكل الحيوانات التي ماتت خنقًا أو ضربًا أو سقوطًا أو نطحًا أو أكلها السبع، إلا إذا أدركت وهي حية وذبحت ذكاة شرعية.
  • تحريم الذبح لغير الله.
  • تحريم الاستقسام بالأزلام.
  • يجوز أكل الميتة للمضطر الذي لا يجد طعامًا آخر يسد به رمقه، بشرط ألا يكون متجاوزًا للحد المسموح به.

المصادر

  • سورة المائدة، آية:3
  • محمد بن أحمد القرطبي (1964)،الجامع لأحكام القرآن(الطبعة 2)، القاهرة:دار الكتب المصرية، صفحة 49، جزء 6. بتصرّف.
  • الحسين بن مسعود البغوي (1420)،معالم التنزيل في تفسير القرآن(الطبعة 1)، بيروت:دار إحياء التراث العربي، صفحة 10، جزء 2. بتصرّف.
  • محمد بن أحمد بن جزي (1416)،التسهيل لعلوم التنزيل(الطبعة 1)، بيروت:شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، صفحة 220، جزء 1. بتصرّف.
  • أبتناصر الدين البيضاوي (1418)،أنوار التنزيل وأسرار التنزيل(الطبعة 1)، بيروت:دار إحياء التراث العربي، صفحة 114، جزء 2. بتصرّف.
  • إسماعيل بن عمر بن كثير (1419)،تفسير القرآن العظيم(الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 11، جزء 3. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تدبر في قوله تعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف)

المقال التالي

تحليل وتفسير قوله تعالى: “اهبطوا مصرًا فإنّ لكم ما سألتم”

مقالات مشابهة