مقدمة في فضل الذكر
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. نحمده حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجينا بها من عذاب القبر وعذاب النار، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من ذكر الله وأناب إليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
توصية بتقوى المولى
أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله جل وعلا في السر والعلن، فهي خير زاد ليوم المعاد، وبها النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. استمسكوا بتقوى الله، فهي العروة الوثقى التي لا تنفصم، وتذكروا قول الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر: 18].
القسم الأول: نظرة في عظمة الذكر
أيها الإخوة الكرام، إننا اليوم نتحدث عن عبادة عظيمة، لا تحتاج إلى جهد كبير، ولكنها تحتاج إلى قلب حاضر وذاكر، ألا وهي ذكر الله تعالى. تأملوا معي في الآيات القرآنية التي تحث على الذكر وتبين فضله، لندرك عظمة هذه العبادة وأثرها في حياتنا.
يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45].
ويقول عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42].
ويقول عز من قائل:
﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
ويقول تبارك وتعالى:
﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [آل عمران: 41].
ويقول سبحانه وتعالى:
﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 191].
أخي المسلم، تأمل في هذه الآية العظيمة التي تعد أعظم هدية للمداومين على الذكر، يقول الله تعالى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152].
أي فضل وأي كرم أعظم من أن يذكرك الله، خالق السماوات والأرض، إذا أنت ذكرته؟ هو الغني عن العالمين، ولكن من كرمه يذكر عبده الضعيف إذا ذكره.
واسمع إلى ما قاله حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن فضل الذكر:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ» [البخاري].
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ» [مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:
«كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له جُمْدَانُ، فَقالَ: سِيرُوا هذا جُمْدَانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ» [مسلم].
القسم الثاني: تنويعات الذكر وأهميته
يا عباد الله، الذكر له صور متعددة، وأفضلها وأجلها تلاوة كتاب الله العزيز. فالقرآن الكريم هو الذكر الحكيم، وهو النور المبين، وهو أفضل ما يشغل به المؤمن وقته.
قال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاس قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، مَن هُم؟ قالَ: هُم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ» [الوادعي، الصحيح المسند].
ومن صور الذكر: ذكر أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، والثناء عليه بها، وتنزيهه وتقديسه عن كل نقص وعيب. ومن ذلك قول:
“سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَاللهُ أَكْبَرُ”
و
“سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدهِ”
و
“لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءِ قَدِير”
وكلما كان الذكر أجمع وأشمل، كان أجره أعظم وفضله أكبر.
ومن أنواع الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه، وذلك بالتفكر في أوامره والامتثال بها، والاجتناب لنواهيه. فإذا همّ العبد بمعصية، فذكر الله، استحى من نظره إليه وتركه.
قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201].
وللذكر فضائل عظيمة، وثمرات جليلة، ويكفي أن نذكر هذا الحديث العظيم:
قال صلى الله عليه وسلم:
«كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ» [البخاري].
الدعاء والابتهال
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم ألهمنا ذكرك في كل وقت وحين، واصرف عنا الغفلة والنسيان.
اللهم نق قلوبنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.
اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- صحيح البخاري.
- صحيح مسلم.
- مرجع إضافي (مثال)