تمهيد حول أهمية الموضوع
الحمد لله، الذي أحسن خلق الإنسان وصوره، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، ومنحه القدرة على البيان والتعبير، وجعل اللسان أداة للتواصل والتفاهم. إن اللسان نعمة عظيمة، ومنة جسيمة، إلا أنه قد يكون سببًا في هلاك صاحبه إذا لم يحفظ ويصن عن الآفات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
دعوة للتمسك بتقوى الله
أيها الأخوة والأخوات في الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، والتمسك بأوامره واجتناب نواهيه. ففي تقوى الله النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. احذروا الدنيا وزخرفها، فإنها دار فناء وغرور. وقد بين الله لنا سبل الخير وأوضحها، وحذرنا من طرق الشرور ومسالكها. قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].
تأملات في النعمة وأثرها
أيها المؤمنون، إن نعم الله علينا لا تحصى ولا تعد، ومن أجل هذه النعم نعمة اللسان. فقد وهبنا الله ألسنة ننطق بها ونعبر بها عما في أنفسنا، وميزنا بها عن كثير من المخلوقات. فواجب علينا أن نشكر الله على هذه النعمة العظيمة، وأن نحفظ ألسنتنا عما يغضب الله.
أيها المسلمون، للسان دور كبير في الخير والشر. فكم من كلمة طيبة رفعت صاحبها إلى أعلى عليين، وكم من كلمة خبيثة أوردت صاحبها المهالك. فمن أطلق لسانه بالسوء، فقد اتبع سبيل الشيطان. فاحذروا عباد الله من هذا المسلك، فإنه يؤدي إلى الهلاك.
اللسان من أشد الأعضاء فتكًا بصاحبه، فهو سهل التحريك والاستعمال، ولكنه قد يكون أداة قوية في يد الشيطان. وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من خطر اللسان وآثاره السيئة، حيث قال: (ليس شيءٌ من الجسدِ إلَّا وهو يشكو ذرَبَ اللسانِ)
فيا أيها المسلم، إذا علمت أن عملك مراقب وأنك محاط بملائكة يسجلون أقوالك وأفعالك، فاحرص على محاسبة نفسك قبل أن تحاسب. واعلم أن اللسان سيكون شاهدًا عليك يوم القيامة، حيث قال تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النور: 24].
فاستعدوا لهذا اليوم، واعملوا الصالحات، حتى تفوزوا برضا الله وتنالوا الجنة.
محاذرة آفات النطق
أيها المسلمون، اعلموا أن للسان آفات كثيرة، فعليكم الحذر منها وتجنبها. ومن هذه الآفات: المزاح المفرط، والكذب، والخوض فيما لا يعني، والاعتراض على كلام الآخرين لمجرد إظهار العيب. فإذا سمعت الحق فصدقه، وإذا سمعت الباطل فاسكت عنه. امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صمت نجا).
اتقوا الله عباد الله، واحرصوا على الأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله. أكثروا من ذكر الله، ورددوا الكلمات التي تذكركم بعظمته، مثل: لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر. واعلموا أن كل قول حسن تقصدون به وجه الله فهو من ذكر الله.
عباد الله، إن في ذكر الله غنيمة وفوز، وفي الغفلة عنه غرم وخسارة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة).
فينبغي للعاقل أن يتحلى بفضائل اللسان، من ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من أوجه الخير.
ابتهالات ودعوات
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم اجعل ألسنتنا رطبة بذكرك ونفوسنا سمعة مطيعة لأمرك وجوارحنا ساعية في خدمتك، اللهم ارزقنا زهدًا في الدنيا ورغبةً في الآخرة إنك على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم إنا نسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك من الخير ما سألك منه عبدك ونبيك، ونعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
ونسالك أن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا؛ اللهم آمين، وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
المصادر
- أبو عبد الرحمن السعدي، كتاب الفواكه الشهية في الخطب المنبرية.
- خالد بن عبدالله الشايع، مقال “حفظ اللسان”، ملتقى الخطباء.
- ابن عثيمين، كتاب الضياء اللامع من الخطب الجوامع.
- عبد العزيز السلمان، مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار.
- أبو ذر القلموني، كتاب ماذا تعرف عن الله.