المعرفة نور يضيء الدروب
لا يخفى على أحد الأهمية القصوى للمعرفة في حياة الناس جميعًا. إنها بمثابة النور الذي يهدي الحائرين، نور الحق والمعرفة الصافية. لا يوجد شيء يضاهي قيمة السعي وراء المعرفة ومحاربة الجهل بكل ما أوتينا من قوة. كم من شخص ارتقى بالعلم والمعرفة وحظي بمكانة مرموقة بين الناس. وكما قال الشاعر أحمد شوقي:
عِزُّ الشّعوبِ بعلمٍ تستقلُّ بهِ *** يا ذلَّ شعبٍ عليهِ العلمُ قد هانا
الهدف النبيل من اكتساب المعرفة
يكمن جوهر قيمة المعرفة في تنوير العقل البشري وتوجيه الإنسان نحو طريق الخير والحق والصواب. كما أنها تلعب دورًا حاسمًا في الحد من المشكلات العديدة التي تتفاقم في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، مثل ارتفاع معدلات الجريمة والتسول وعمالة الأطفال وزواج القاصرات. إضافة إلى ذلك، تسهم المعرفة في حماية المجتمع من الشائعات والأخبار الكاذبة التي تهدف إلى تضليل أفراده.
علاوة على ذلك، تساهم المعرفة في بناء مجتمعات قوية ومتماسكة قادرة على التكيف مع متطلبات الحياة المختلفة. تعتمد هذه المجتمعات على نفسها في توفير التعليم لأبنائها، مكتفية بقدراتها وخبراتها، مما يؤدي إلى ظهور جيل متعلم يتمتع بوعي وثقافة عالية، وقادر على النهوض بالمجتمع حضاريًا وصناعيًا واقتصاديًا.
كما أن الإنسان المتعلم يستطيع أن يجعل علمه وسيلة لكسب الرزق من خلال الحصول على وظيفة ثابتة في القطاعين العام والخاص، وتيسير حياته وحياة الآخرين، حيث يصبح قادرًا على مواجهة التحديات المختلفة. يصبح كل ما في الطبيعة والحياة من تكنولوجيا تحت سيطرته ومسخرًا لخدمته. لذلك، يجب على الدولة دعم المعرفة من خلال توفير الأبحاث العلمية والمنح الدراسية.
إن العلماء وطلاب العلم مأجورون على سعيهم في طلب المعرفة، ويجب على كل متعلم ألا يكتم علمه، بل ينشره بين الناس ويحث الآخرين على طلبه. وينبغي على المتعلمين والمثقفين مساعدة الآخرين في طلب العلم، سواء كانوا صغارًا أم كبارًا، إما بالتطوع لتعليمهم بطرق مباشرة، أو بإقامة حلقات تعليمية مجانية أو بأجر رمزي، أو من خلال طباعة الكتب ونشرها.
المعرفة أساس الحضارات والابتكارات
إن العلماء هم ورثة الأنبياء، والمعرفة هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارات المتقدمة. فلا يمكن للحضارات أن تزدهر وتتقدم إلا بالعلم والمعرفة. للمعرفة دور محوري في حياتنا، فهي توسع آفاق الفرد وتزيد من قدرته على الاستيعاب والتحليل والنظر في مختلف القضايا من زوايا متعددة. كما تسهم المعرفة في إكساب المتعلمين الاحترام والتقدير من قبل الآخرين، وتعزيز دورهم ومكانتهم ودرجاتهم بين الناس.
على سبيل المثال، كانت الحضارة الإسلامية مهدًا للعديد من الاختراعات والمجالات العلمية، وذلك بفضل البيئة التي أتاحتها للعلماء، مثل ابن سينا وابن الهيثم وأبي القاسم الزهراوي والجزري ومريم الاسطرلابية وغيرهم. ومن الجدير بالذكر أن أول آية نزلت في القرآن الكريم هي قوله تعالى:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]
وهذا دليل قاطع على حث الإسلام على العلم وأهميته.
كم من مدينة نسبت إلى علمائها وفقهائها! يقال: هذا العالم من تلك البلاد، أو أن تلك البلاد أخرجت علماء وأدباء وفقهاء ومشهورين في مختلف المجالات. وقد برز في العديد من البلدان علماء في الطب والفيزياء والهندسة والرياضيات. وما أجمل أن نبحث عنهم ونقرأ عن أخبارهم ليكونوا قدوة لنا في حياتنا ونبراسًا ينير طريقنا. قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-:
“مَن سلَك طريقًا يطلُبُ فيه عِلمًا سلَك اللهُ به طريقًا مِن طُرقِ الجنَّةِ”.
المعرفة مسؤولية إنسانية
ختامًا، المعرفة واجب إنساني لا ينبغي لأي إنسان التخلي عنه. فهي تزيد الإنسان رفعة ومكانة، وتنقذ البشرية من آثار الجهل الوخيمة. العلم غايته الخير والتقدم، والجهل غايته الشر والتخلف. المعرفة هي أساس النجاح، وشفاء لسموم الدنيا. كم هو جميل أن نشجع بعضنا كأصدقاء على الدراسة والتعلم!
