أهمية السكون في الصلاة وفقًا للمذاهب الأربعة

استكشاف آراء المذاهب الأربعة حول أهمية السكون والخشوع في الصلاة. تعرف على الحد الأدنى المطلوب للسكون وكيفية تحقيقه.

نظرة على موقف المذاهب الأربعة من السكون في الصلاة

اختلف الفقهاء في تحديد ما إذا كان السكون ضروريًا في الصلاة، وتتضح هذه الاختلافات في النقاط التالية:

  • يرى أصحاب المذهب الحنبلي والمالكي والشافعي أن السكون ركن أساسي من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة بدونه.
  • بينما يرى الحنفية أن السكون واجب في كل ركن يؤدى بشكل مستقل، ويعبرون عن هذا بالقول بتعديل الأركان. ويذهبون إلى أن القدر الواجب عند الرفع من الركوع هو الوصول إلى وضع القيام، وما زاد على ذلك حتى يستقيم المصلي قائمًا فهو سنة مستحبة. أما عند الرفع من السجود، فالواجب هو الوصول إلى وضع أقرب إلى الجلوس، وما زاد على ذلك حتى يستوي المصلي جالسًا فهو سنة على المشهور. والفرق بين الفرض والواجب عندهم، أن من ترك الواجب لا تبطل صلاته، ولكنه يأثم إثمًا يسيرًا.

وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد فصلى، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ناحية المسجد، فلما فرغ من صلاته ذهب ليسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبي: “ارجع فصل فإنك لم تصل”، فرجع فصلى ثم جاء فسلم، فقال: “ارجع فصل فإنك لم تصل” ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: (إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ، فأسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ، فَكَبِّرْ واقْرَأْ بما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ وتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا).

أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الرجل بإعادة صلاته لعدم إتيانه بالسكون اللازم، وكرر هذا الأمر ثلاث مرات للتأكيد على أهميته وتعليمه كيفية أداء الصلاة بشكل صحيح، مع الحرص على السكون والاعتدال في الركوع والسجود والقيام، وتجنب الاستعجال.

الحد الأدنى المطلوب للسكون في الصلاة

اختلفت آراء المذاهب الأربعة في تحديد أقل مدة للسكون على النحو التالي:

  • الحنفية: يرى بعض علمائهم أن حديث المسيء لصلاته ربما لم يصل إلى الإمام أبي حنيفة، وإلا فإنه كان حريصًا على السكون في صلاته وعلى قيام الليل، ويرى أن السكون في الركوع واجب، ومن تركه سهوًا فعليه سجود السهو. وقد ذهبوا إلى أن أقل قدر للسكون هو بمقدار تسبيحة واحدة.
  • المالكية: يرون أن أقل مدة للسكون هي ذهاب حركة الأعضاء لمدة يسيرة جدًا.
  • الشافعية: يعتبرون أن الحد الأدنى للسكون هو استقرار الأعضاء وانفصال حركة النزول عن حركة الارتفاع، كالفصل بين حركة النزول للسجود والارتفاع منه.
  • الحنابلة: يرون أن أقل مقدار للسكون هو حصول السكون ولو كان قليلًا جدًا.

توضيح مفهوم السكون لغة واصطلاحًا

السكون في اللغة يعني الهدوء والاستقرار. يقال: اطمأن الرجل أي سكن وهدأ، واطمأن القلب أي سكن ولم يقلق. ومنه قوله تعالى: (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي..)، أي ليسكن قلبي إلى مشاهدة الواقع بعد الإيمان بالغيب.

أما اصطلاحًا، فالسكون يعني استقرار الأعضاء لفترة زمنية معينة.

مواضع السكون المطلوبة في الصلاة

يرى الحنابلة والمالكية والشافعية أن السكون مطلوب في الركوع والسجود، والاعتدال من الركوع والجلوس بين السجدتين. بينما يرى الحنفية أن موضع التعديل (أي السكون) هو في الركوع والسجود فقط، مع وجود رأي آخر عندهم بوجوب التعديل في الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين أيضًا.

إن الصلاة هي الصلة التي تربط العبد بربه، وعلى المسلم أن يستشعر وقوفه بين يدي الله -تعالى-، وأن كل ما يتمناه ويسعى إليه في هذه الدنيا هو من عند الله وحده. فلو اجتمعت الأمة بأسرها على جلب منفعة أو دفع ضرر عن شخص، فلن يستطيعوا فعل ذلك إلا بإذن الله. لذلك، ينبغي على المسلم أن يقف خاشعًا مطمئنًا بين يدي الله، وأن يحسن الركوع والسجود، وأن يعطي كل ركن من أركان الصلاة حقه من الوقت والخشوع.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تداعيات الغضب على قرار الطلاق: نظرة فقهية

المقال التالي

رأي الشريعة في الاستمناء عند غلبة الشهوة

مقالات مشابهة