مقدمة حول العمل والإنتاجية
منذ أن وطأت قدم الإنسان الأرض، بدأ رحلة البناء والتعمير من خلال مختلف أنواع الأعمال. سعى الإنسان دائمًا للتجربة والتحسين، مضيفًا لمسة جديدة إلى كل عمل يقوم به، حتى وضع الأسس والقواعد التي تنظم هذه الأعمال. لا شك أن الإتقان كان عنصرًا حاسمًا في استمرار الإنسان وبقائه، فالجودة هي مفتاح الديمومة والتقدم.
أثر الجودة على المجتمعات
يكمن الاختلاف بين أداء الأفراد والجماعات، وبين الدول والشعوب، ليس فقط في طبيعة الأعمال التي يقومون بها، بل في جودة تنفيذ هذه الأعمال. هل يتم إنجاز المهام على أكمل وجه وبإتقان، أم يتم تنفيذها بشكل غير صحيح أو بمستوى متدنٍ من الجودة؟ الجميع يسعى لتلبية الاحتياجات الأساسية كالمسكن والغذاء والأمن والتعليم والعمل، ولكن التقدم يختلف بين مجتمع وآخر، وهذا التباين يعود إلى مستوى الجودة في العمل.
لماذا يجب تحسين جودة العمل؟
عندما يتأمل المرء أن العمل مطلوب منه لتأمين معيشته، فمن المنطقي أن يسعى لإنجازه على أكمل وجه. فالعمل المتقن لا يستغرق وقتًا أطول بكثير مقارنة بالعمل غير المتقن. الأخطاء تتراكم في الأعمال الرديئة، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة يتحملها مجتمع بأكمله. كان من الممكن تجنب هذه العواقب لو أن الفرد أتقن عمله وأعطاه حقه من الوقت والجهد.
الجودة في العمل من منظور إسلامي
حث الإسلام على الجودة وجعلها من الأساسيات، سواء في العبادات أو في الأعمال الدنيوية التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع. قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105]. هذه الآية الكريمة تأمر بالعمل وتؤكد أن الله ورسوله والمؤمنين يراقبون هذا العمل. فإذا لم يتقن المسلم عمله بدافع المسؤولية الذاتية، فعليه أن يتقنه خوفًا من رقابة الله. وفي مجال العبادات، قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة لرجل: (اذْهب فصلِّ فإنَّكَ لم تصلِّ) [صحيح]. مع أن الرجل قد صلى، إلا أن صلاته لم تكن متقنة، فكان عليه إعادتها. فلو طبقنا هذا المبدأ في أعمالنا الدنيوية وأعدنا العمل غير المتقن، لحققنا نتائج أفضل.
فوائد إتقان العمل
الشخص الذي يتقن عمله يحظى بمحبة الله ورسوله والناس. السعي لنيل رضا الله هو دافع قوي للإتقان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) [حسن].
نماذج عالمية في الجودة
اليابان هي مثال حي على أهمية الجودة في العمل. المواطن الياباني ليس بالضرورة أذكى من غيره، ولكن قوة اليابان تكمن في إتقان شعبها لأعمالهم وتنفيذها بطريقة جماعية. فالجودة قيمة عظيمة، وعبادة جليلة، وسبب للتقدم، ودليل على الاستمرارية. لذلك، يجب الحرص على الجودة والعمل بها للوصول إلى أعلى المراتب في الدنيا والآخرة.