فهرس المحتويات
مقدمة حول قيمة الحوار
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يسعى دائماً للتعبير عن أفكاره ومعتقداته، ومشاركة الآخرين رؤيته للعالم. هذه الرغبة تدفعه للتواصل مع محيطه، والحوار هو إحدى أهم الوسائل لتحقيق هذا التواصل. فمن خلال الحوار، نتبادل الأفكار، ونحل المشكلات، ونبني جسور التفاهم بين الثقافات المختلفة. إن القدرة على الحوار البناء تعد مهارة أساسية في بناء مجتمع متماسك ومزدهر.
إن الحوار ليس مجرد تبادل للكلمات، بل هو عملية تفاعلية تتطلب احتراماً متبادلاً، وإنصاتاً واعياً، ورغبة صادقة في فهم وجهة نظر الآخر. عندما نتحاور بصدق وانفتاح، فإننا نفتح الباب أمام فرص جديدة للتعلم والنمو، ونتيح لأنفسنا فرصة لتوسيع آفاقنا الفكرية والثقافية.
تعريف الحوار وأبعاده
يعتبر الحوار لغةً هو المُراجعة في الكلام، أي التجاوب بين طرفين أو أكثر. أما اصطلاحاً، فهو عبارة عن نقاش هادف يدور بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص حول مسألة معينة، بهدف الوصول إلى فهم مشترك أو حل لمشكلة قائمة.
يمكن تعريف الحوار أيضاً بأنه شكل من أشكال التواصل الإنساني يهدف إلى تبادل المعرفة، وتقريب وجهات النظر، وتعزيز التفاهم بين الأطراف المتناقشة. إنه فن من فنون الكلام، وأسلوب من أساليب المعرفة، ومنهج من مناهج الوعي.
والحوار ليس مجرد جدال عقيم، بل هو وسيلة للتواصل الفعال، وبناء الثقة، وتعزيز التفاهم، وتحقيق النمو والتطور على المستوى الشخصي والاجتماعي. إنه عملية تفاعلية تتطلب من جميع الأطراف المشاركة بفاعلية، والاستعداد لتقديم الأدلة والحجج المقنعة لدعم وجهات نظرهم.
أصول المحاورة الناجحة
لكي يكون الحوار فعالاً ومثمراً، يجب على جميع الأطراف الالتزام بمجموعة من الأصول والآداب. هذه الأصول تضمن سير الحوار بسلاسة واحترام، وتحول دون نشوب الخلافات والنزاعات. الحوار الذي يلتزم بهذه الأصول يكون حواراً بناءً يساهم في تحقيق الفائدة المرجوة، وتعزيز الثقة بين الأطراف المتحاورة.
من أهم هذه الأصول: الاحترام المتبادل، والإنصات الجيد، والصدق والأمانة، والتعبير الواضح والمباشر عن الأفكار، وتجنب التعصب والتحيز، والبحث عن القواسم المشتركة، والاعتراف بالخطأ عند الضرورة. هذه الأصول تساعد على بناء جسور التواصل، وتجاوز الخلافات، والوصول إلى حلول توافقية ترضي جميع الأطراف.
الأسس السلوكية للحوار
تعتبر الجوانب السلوكية للمتحاورين من العناصر الحاسمة في نجاح أو فشل الحوار. يجب على المتحاور أن يتحلى بمجموعة من الصفات التي تساعده على التواصل بفعالية واحترام، ومن أهم هذه الصفات:
- الصدق: يجب أن يكون المتحاور صادقاً في كلامه، أميناً في نقل المعلومات، حريصاً على تقديم الحقائق كما هي دون تزييف أو تحريف.
- الحلم والصبر: يجب أن يتحلى المتحاور بالصبر والحلم، وأن يتحمل آراء الآخرين حتى لو كانت مخالفة لآرائه، وأن يتجنب الانفعال والغضب.
- حسن الاستماع: يجب أن يكون المتحاور مستمعاً جيداً، يصغي بانتباه لآراء الآخرين، ولا يقاطعهم أو يستخف بآرائهم.
- الاحترام: يجب أن يحترم المتحاور آراء الآخرين، حتى لو كان لا يتفق معها، وأن يتجنب السخرية والاستهزاء.
الأسس اللغوية للحوار
اللغة هي أداة الإنسان للتعبير عن أفكاره وآرائه، لذلك يجب على المتحاور أن يكون حذراً في استخدام اللغة، وأن يختار الكلمات بعناية، وأن يتجنب الألفاظ البذيئة أو المهينة. يجب أن يكون الكلام واضحاً ومفهوماً، وأن يتجنب الغموض والإبهام.
من أهم الأسس اللغوية للحوار:
- الوضوح: يجب أن يكون الكلام واضحاً ومفهوماً، وأن يتجنب المصطلحات المعقدة أو الغامضة.
- الدقة: يجب أن يكون الكلام دقيقاً، وأن يعبر عن المعنى المقصود بدقة.
- الاحترام: يجب أن يكون الكلام محترماً، وأن يتجنب الألفاظ البذيئة أو المهينة.
- الاختصار: يجب أن يكون الكلام مختصراً، وأن يتجنب الإطالة والإسهاب.
المعايير المعرفية للحوار
لضمان جودة الحوار ووصوله إلى نتائج مثمرة، يجب الالتزام بالمعايير المعرفية التي تضمن أن يكون النقاش مبنياً على أسس علمية ومنطقية. هذه المعايير تساعد على تجنب الأفكار الخاطئة والمضللة، وتعزيز التفكير النقدي والتحليلي.
من أهم هذه المعايير:
- العلمية: يجب أن يعتمد الحوار على الحقائق العلمية والأدلة الموثوقة، وأن يتجنب الأفكار الخاطئة أو غير المثبتة.
- الأهمية: يجب أن يركز الحوار على القضايا المهمة والمؤثرة، وأن يتجنب الأمور الثانوية أو غير ذات الصلة.
- الدليل: يجب أن يكون لكل فكرة أو رأي دليل يدعمه، وأن يتم تقديم الأدلة والحجج المقنعة لإثبات صحة الأفكار.
- الأمثلة: يمكن استخدام الأمثلة لتوضيح الأفكار وجعلها أكثر واقعية وفهماً.
أنواع الحوار
يمكن تقسيم الحوار إلى مستويين رئيسيين:
- الحوار مع الآخر: هو الحوار الذي يجري بين شخصين أو أكثر حول قضية معينة، بهدف الوصول إلى الحقيقة أو حل المشكلة. يجب أن يتم هذا الحوار باحترام متبادل والتزام بالآداب والقواعد. قد يكون هذا الحوار إيجابياً إذا كان يهدف إلى إيصال رسالة أو الوصول إلى حقيقة، أو سلبياً إذا كان يتخذ منحى تعصبياً أو عدوانياً.
- الحوار مع الذات: هو الحوار الداخلي الذي يجريه الشخص مع نفسه، وهو مهم لتقليل الاضطرابات وتحقيق التناغم والتصالح مع الذات.
قال تعالى: ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].
المراجع
- د.عبدالله آل مبارك (12-1-2006)،”قراءة في مفهوم الحوار وأدبياته”،جريدة الرياض، العدد 13716، صفحة 1. بتصرّف.
- د.عبدالحميد الأنصاري (20-5-2017)،”ثقافة الحوار.. كيف نفعلها؟”،صحيفة الأيام البحرينية، العدد 10268، صفحة 1. بتصرّف.
- أ.د حسين جمعة (2008)،”ثقافة الحوار مع الآخر”،مجلة جامعة دمشق، العدد 3، المجلد 24، صفحة 11،15. بتصرّف.
- أ.د.محمّد أحمد (2008)،الحوار منهجاً وثقافةً(الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة القطرية، صفحة 19،20. بتصرّف.
- جامعة الجزيرة (2016)،مبادرة الجامعة عن الحوار المجتمعي والوطني، صفحة 7،9،10،11. بتصرّف.
- د. عمر كامل (2011)،آداب الحوار وقواعد الاختلاف، السعودية: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، صفحة 7-16،18،20. بتصرّف.
- فاطمة القحطاين (2011)،الحوار الذاتي مدخل التواصل الإيجابي مع الآخرين، الرياض: مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، صفحة 14-19،22،35. بتصرّف.