أهمية التكافل والمساندة في الشريعة الإسلامية

استكشاف مفهوم التكافل في الإسلام من خلال القرآن والسنة. فهم أشكال التآزر بين الأفراد وأثرها على المجتمع. نظرة في أقوال العلماء حول أنواع المساعدة المتبادلة.

مقدمة

يعتبر التكافل الاجتماعي من الركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي. إنه يعكس روح المسؤولية الجماعية والترابط بين أفراده. من خلال التعاون، يتمكن المجتمع من مواجهة التحديات وتحقيق التقدم والازدهار.

المفهوم اللغوي والاصطلاحي للمعاونة

في اللغة، كلمة “التعاون” مشتقة من “العون”، وتعني المساعدة والمساندة. يقال “فلان عوني” أي معيني ومساندي. و”تعاون الأعوان” يعني مساعدة بعضهم لبعض.

وبالنظر إلى استخدامات كلمة “العون” ومشتقاتها في القرآن الكريم، نجد أنها تدل على الظهير الذي يقوي ويمد بالعون.

أما في الاصطلاح، فيمكن تعريف التكافل بأنه: مساعدة الآخرين على الوصول إلى الحق، ونيل رضا الله سبحانه وتعالى. ويكون ذلك بتوظيف القدرات والطاقات والإمكانات التي وهبها الله لخدمة الدين والمجتمع.

دعوة القرآن الكريم إلى التآزر

حث القرآن الكريم على التآزر والتعاون بين الناس في كل ما فيه خير وصلاح، ونهى عن التعاون في الشر والفساد. وأبرز دليل على ذلك قوله تعالى:
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: 2).

هذه الآية الكريمة تحدد بوضوح مجالات التآزر المباحة والمحظورة، وفيما يلي شرح موجز لهذه المجالات:

  • البر: يشمل كل فعل خير يسعى الإنسان لفعله ومساعدة الآخرين على تحقيقه.
  • التقوى: هي حماية النفس من كل ما يضرها في الدين والدنيا، ويشمل ذلك مساعدة الآخرين على تجنب الوقوع في المعاصي والآثام.
  • الإثم: هو كل ذنب أو معصية يرتكبها الإنسان، والتعاون عليه يعني المشاركة في فعل الشر.
  • العدوان: هو تجاوز حدود الشرع والقانون في التعامل مع الآخرين، والتعاون عليه يعني الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين.

أحاديث نبوية في فضل التكاتف وتوضيحها

حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعاون والتآزر بين المسلمين في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، ومنها:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَن كانَ معهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا ظَهْرَ له، وَمَن كانَ له فَضْلٌ مِن زَادٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا زَادَ له. قالَ: فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ ما ذَكَرَ حتَّى رَأَيْنَا أنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ (رواه مسلم).

والمقصود بالظهر هنا: الدابة التي يركبها المسافر. وفي هذا الحديث دعوة إلى التكافل والتآزر بين المسافرين، حيث يحث النبي صلى الله عليه وسلم من يملك زيادة في الدواب أو الطعام أن يتقاسمها مع من لا يملك.

كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على مساعدة المعسرين وتفريج كربهم، فقال:
مَن سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عنْه (رواه مسلم).

والتنفيس عن المعسر يكون بإمهاله عن المطالبة بالدين، أو التنازل عن جزء منه، أو مساعدته على سداد الدين.

صور مختلفة للتكاتف بين الناس

قسم العلماء صور التآزر بين الناس إلى أربعة أنواع بحسب تعاملهم مع العطاء والاستعانة:

  • الشخص الذي يعطي ويستعين: هذا الشخص متعاون ومنصف، فهو يعطي ما عليه ويأخذ ما له. إنه كالمقرض الذي يسعف غيره عند الحاجة ويسترد ماله عند الاستغناء.
  • الشخص الذي لا يعطي ولا يستعين: هذا الشخص يتجنبه الناس لأنه يمنع خيره. إنه ليس بالصديق الذي يرجى. إنه كالصورة المعلقة على الحائط، تعجبك ولكن لا تنفعك.
  • الشخص الذي يستعين ولا يعطي: هذا الشخص لئيم يأخذ من غيره ولا يعطي. إنه مهان لا يرجو الناس منه خيراً.
  • الشخص الذي يعطي ولا يستعين: هذا الشخص كريم النفس، يعطي من غير طلب، ويساعد غيره من غير أن ينتظر مقابلاً. إنه أشرف الإخوان وأكرمهم طبعاً.

المصادر

  1. ابن منظور، لسان العرب.
  2. محمد حسن جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل.
  3. خالد الخراز، موسوعة الأخلاق.
  4. تفسير المراغي.
  5. القاضي عياض، إكمال المعلم بفوائد مسلم.
  6. جلال الدين السيوطي، شرح السيوطي على مسلم.
  7. الماوردي، أدب الدنيا والدين.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

استكشاف مفهوم الشراكة المجتمعية وأبعادها

المقال التالي

أهمية التكاتف والعمل المشترك

مقالات مشابهة