أهمية التكاتف في الخير والبر

تمهيد

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لقد أمرنا بالتواصي بالحق، فقال -سبحانه-:

﴿وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3].

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، قد حثَّ المؤمنين على التآزر، فقال -صلى الله عليه وسلم-:

﴿المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ﴾ [رواه البخاري].

التوصية بالخشية من الله

أيها المسلمون، أوصيكم بتقوى الله حق التقوى، واعلموا أن العمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاءَ ثواب الله؛ وترك معصية الله، على نور من الله، خشية عقاب الله هو الفلاح.

قال تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

النداء الأول

يا عباد الله، إن أهمية التعاون على فعل الخيرات في ديننا الإسلامي عظيمة؛ فهو توجيه رباني،

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].

وهو جزء لا يتجزأ من الإيمان.

كما بين ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:

﴿مَن دَلَّ علَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ﴾ [رواه مسلم].

أيها الإخوة المؤمنون، إن الأمر بالتكاتف على البر والإحسان يعني أن يكون بعضنا سنداً لبعض في كل ما يرضي الله ويحبه، سواء في حقوق الله أو في حقوق العباد، والتقوى في هذه الآية الكريمة تدل على ترك كل ما يغضب الله ورسوله، من الأفعال الظاهرة والخفية.

يقول ابن القيم: “إن هذه الآية قد اشتملت على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم، فإنَّ كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذان الواجبان: واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق”.

“فأما ما بينه وبين الخلق: من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله”.

أيها الكرام، لقد قالت خديجة -رضي الله عنها- للرسول -عليه الصلاة والسلام-:

﴿إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ﴾ [رواه البخاري].

تصف أخلاقه الكريمة -عليه السلام- حتى قبل البعثة، وبهذا وُصف أيضاً الصِّدِيق -رضي الله عنه-، وهذا يوضح أن التكاتف على الخير فطرة إنسانية، وهبة إلهية للإنسان عن باقي المخلوقات.

أيها المسلمون، يجب على كل فرد منا أن يعزز أشكال التعاون المختلفة في مجتمعه، ونذكر منها على سبيل المثال:

  1. التكاتف على طاعة الله: مثلما فعل أبو عثمان النهدي عندما استضاف أبا هريرة سبع ليالٍ، فكان هو وزوجته وخادمه يتناوبون الليل للصلاة.
  2. التكاتف في طلب العلم: كما كان يفعل عمر -رضي الله عنه- مع جاره بسبب بعد مسكنه عن المسجد.
  3. التكاتف بين الزوجين: عندما سئلت عائشة -رضي الله عنها- عما كان يفعل النبي -عليه السلام- في بيته، قالت: (كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ).

أيها الأحبة، هذه الأمثلة التي ذكرناها هي للاقتداء بها، وإلا فإن أشكال التكاتف كثيرة جدًا ولا يمكن حصرها، ونسأل الله -عز وجل- أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله.

النداء الثاني

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين.

عباد الله، يذكر القرطبي وجوهاً متعددة للتكاتف على الخير: “والتكاتف على البر والتقوى يكون بأشكال متعددة، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة”.

وهذا بدون شك يعود على المسلمين بفوائد جمة لا يمكن حصرها، ولكن من أهم فوائد التكاتف على الخير:

  • يعزز الأخوة الإسلامية.
  • يمكن كل فرد من الاستفادة من تجارب الآخرين المختلفة.
  • يسهل إتمام الأعمال الكبيرة التي يعجز عنها الأفراد بمفردهم.
  • يسرع التطور العلمي والتقدم التقني.
  • يستغل الطاقات المهدرة الاستغلال الأمثل لما فيه مصلحة الفرد والمجتمع.

الدعاء

“اللهم صلِّ وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، واشملنا معهم بعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين”.

“اللهم احفظ لنا بلادنا وأوطاننا من كل سوء”.

“اللهم ألِّف بين قلوبنا ووحد صفوفنا واجعلنا متحابين متكاتفين كما تحب وترضى”.

“ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين”.

“ربنا آتنا في الدنيا حسنة وآتنا في الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”.

أيها الإخوة المؤمنون، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يَذْكُركُم، واشكروه على نِعمِهِ يَزدْكُم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.

المصادر

  1. سورة العصر، آية:1-3
  2. رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر.
  3. أبو بكر بن أبي شيبة (2015)،المصنف(الطبعة 1)، الرياض:دار كنوز إشبيليا، صفحة 30، جزء 17. بتصرّف.
  4. سورة آل عمران، آية:102
  5. سورة المائدة، آية:2
  6. أبو بكر البيهقي (2003)،شعب الإيمان(الطبعة 1)، الرياض:مكتبة الرشد، صفحة 83، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو.
  8. عبد الرحمن السعدي (2000)،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(الطبعة 1)، صفحة 218. بتصرّف.
  9. ابن قيم الجوزية،الرسالة التبوكية، جدة:مكتبة المدني، صفحة 6-7.
  10. رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين.
  11. أحمد أبو عيد (16/1/2016)،”خطبة عن فضل التكاتف في الإسلام”،موقع الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2022. بتصرّف.
  12. شمس الدين الذهبي (1985)،سير أعلام النبلاء(الطبعة 3)، صفحة 609، جزء 2.
  13. رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب.
  14. رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين.
  15. أبو عبد الله القرطبي (1964)،الجامع لأحكام القرآن(الطبعة 2)، القاهرة:دار الكتب المصرية، صفحة 47، جزء 6.
Exit mobile version