مقدمة حول التكاتف
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، وأحاط علمه كل الأمور، وهو الذي حثنا على التآزر والتعاضد. نشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجينا من عذاب يوم عظيم. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من دعا إلى الخير وأمر بالمعروف. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دعوة للخشية
أيها الناس، اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن التقوى هي خير زاد ليوم المعاد. هي النور الذي يضيء لنا الدروب، وهي الحصن الذي يحمينا من الفتن. فالله تعالى يقول:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
فكونوا عباد الله من المتقين.
القسم الأول من الكلام
يا جموع المسلمين، إن ديننا الحنيف دين شامل كامل، جاء ليسعد الإنسان في الدنيا والآخرة. ومن أهم الأسس التي يقوم عليها هذا الدين العظيم هو التكاتف والتعاون بين أفراد المجتمع الواحد. فبالتعاون نرتقي، وبالتكاتف نصل إلى القمة. فالتكاتف هو السمة البارزة للمجتمعات القوية والمتماسكة.
إن التكاتف حاجة فطرية، غرسها الله في نفوس البشر. وقد جاءت الشريعة الإسلامية لتؤكد هذه الفطرة، وتحث عليها. قال تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
فالآية الكريمة تحثنا على التعاون في كل ما هو خير وبر، وتنهانا عن التعاون في كل ما هو شر وإثم. فالتكاتف بين أبناء الوطن الواحد يقتضي أن يكونوا يداً واحدة، يساند بعضهم بعضاً، ويؤازر بعضهم بعضاً، بالقول والفعل. كل فرد في المجتمع مسؤول عن التكاتف بقدر استطاعته وموقعه. فالعالم ينفع بعلمه، والغني بماله، والقوي بجاهه.
كما أن التكاتف يقتضي إقامة شرع الله، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فبهذا نحمي مجتمعنا من الفساد والضلال. قال تعالى:
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].
رزقنا الله وإياكم العمل الصالح، وجعلنا من عباده المخلصين.
القسم الثاني من الكلام
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة، إن التكاتف بين أبناء المجتمع ليس مجرد شعار، بل هو تطبيق عملي لتعاليم الإسلام. فالرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما قدم إلى المدينة، أول ما فعله هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. وهذا دليل على أهمية التكاتف والتعاون في بناء المجتمع القوي.
ويكون التكاتف في جميع مناحي الحياة، في المجال الاجتماعي، والاقتصادي، والعلمي، والأمني. فكلنا مسؤولون عن حماية وطننا، والسعي لازدهاره وتقدمه.
ابتهال إلى الله
اللهم ألف بين قلوبنا، ووحد صفوفنا، واجمع كلمتنا على الحق. اللهم اجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى، ولا تجعلنا من المتعاونين على الإثم والعدوان. اللهم اهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.
اللهم آتنا في الدُنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار، واحشرنا مع عبادك الصالحين من الأنبياء والصديقين والشهداء.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والأموات.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.
المصادر
- عبد الرحمن السعدي (1991)،الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات(الطبعة 1)، صفحة 75، جزء 1. بتصرّف.
- سورة النساء، آية:1
- مُصطفى الخِنْ، مُصطفى البُغا، علي الشّرْبجي (1992)،الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي(الطبعة 4)، دمشق:دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 9، جزء 2. بتصرّف.
- سورة المائدة، آية:2
- أبتعبد العزيز آل الشيخ (23-4-2013)،”وتعاونوا على البر والتقوى”،ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022. بتصرّف.
- سورة آل عمران، آية:104
- أحمد أبو عيد (16-1-2016)،”خطبة عن فضل التعاون في الإسلام”،الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022. بتصرّف.
