مقدمة في الأنثروبولوجيا الطبيعية
تسعى الأنثروبولوجيا الطبيعية إلى تحقيق فهم شامل للإنسان، وذلك من خلال استكشاف العلاقة المعقدة بين علم الأحياء، واللغة، والثقافة الإنسانية. إنها تركز على دراسة الإنسان في مختلف العصور، مع التركيز على الجوانب الثقافية والبيولوجية لحياة الإنسان. هذا النهج الشامل يميز الأنثروبولوجيا عن غيرها من العلوم الإنسانية والطبيعية.
بشكل عام، تهتم الأنثروبولوجيا بتحديد ماهية الكائن البشري، وكيف تطور عبر الزمن، وكيف يختلف البشر عن بعضهم البعض في مختلف الجوانب. إنها تسعى إلى فهم أصولنا وتطورنا، وتقدير التنوع الثقافي والبيولوجي الذي يميز الجنس البشري. هذا الفهم العميق يسمح لنا بتقدير مكانتنا في العالم وتاريخنا المشترك.
تخصصات الأنثروبولوجيا الطبيعية
تتفرع الأنثروبولوجيا الطبيعية إلى عدة تخصصات رئيسية، كل منها يركز على جانب معين من دراسة الإنسان. تشمل هذه التخصصات علم الآثار، والأنثروبولوجيا البيولوجية، والأنثروبولوجيا الثقافية، والأنثروبولوجيا التطبيقية.
علم الآثار: دراسة الماضي
علم الآثار هو العلم الذي يدرس الماضي البشري، سواء كان قديماً أو حديثاً، من خلال تحليل البقايا المادية التي خلفها الإنسان. قد يقوم علماء الآثار بدراسة الحفريات التي تعود إلى ملايين السنين، والتي تعود إلى أسلافنا الأوائل في مختلف أنحاء العالم. يهدف علم الآثار إلى فهم شامل للثقافة الإنسانية من خلال تحليل هذه البقايا المادية.
يعتبر علم الآثار مجالاً واسعاً ومتنوعاً، حيث يركز معظم علماء الآثار على منطقة معينة من العالم أو على جانب معين من الدراسة. على سبيل المثال، يدرس بعض العلماء البقايا البشرية (علم الآثار البيولوجية)، والحيوانات (علم آثار الحيوان)، والنباتات القديمة (علم النباتات القديمة)، والأدوات الحجرية (علم الأدوات الصخرية). يتخصص آخرون في التقنيات المستخدمة للعثور على المواقع الأثرية أو لرسمها وتحليلها. كما أن هناك علماء آثار يدرسون البقايا الأثرية الموجودة تحت سطح الماء أو على السواحل.
الأنثروبولوجيا البيولوجية: منظور تطوري
الأنثروبولوجيا البيولوجية، والمعروفة أيضاً بالأنثروبولوجيا الفيزيائية، هي دراسة الإنسان في سياق التطور، مع التركيز على التفاعل بين علم الأحياء والثقافة. يركز هذا الفرع على فهم كيف تطورت أجسامنا وسلوكنا عبر الزمن، وكيف تأثرت هذه العمليات بالبيئة والثقافة.
تنقسم الأنثروبولوجيا البيولوجية إلى عدة مجالات فرعية، بما في ذلك التنوع البيولوجي البشري والتكيف، وعلم الحيوانات الأولية (دراسة الرئيسيات)، والنمو والتطور، وعلم التشكل الوظيفي (دراسة العلاقة بين الشكل والوظيفة)، وعلم العظام، وعلم الإنسان الشرعي (الاستعانة بالأنثروبولوجيا في التحقيقات الجنائية)، وعلم الإنسان القديم (دراسة أصول الإنسان وتطوره).
الأنثروبولوجيا الثقافية: التنوع الإنساني
تهتم الأنثروبولوجيا الثقافية بشكل أساسي بدراسة جوانب التنوع الثقافي في الحاضر أو الماضي القريب، وذلك باستخدام مجموعة متنوعة من المناهج النظرية وأساليب البحث. يدرس علماء الأنثروبولوجيا الثقافية ثقافات الشعوب في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإيديولوجية لهذه الثقافات.
الأنثروبولوجيا اللغوية هي أحد المجالات الفرعية داخل الأنثروبولوجيا الثقافية، وهي تدرس بنية اللغة، واستخدام اللغة في مجتمعات وسياقات اجتماعية معينة، والعلاقات التاريخية بين اللغات. هذا الفرع يساعدنا على فهم كيف تشكل اللغة تفكيرنا وهويتنا الثقافية.
الأنثروبولوجيا التطبيقية: حل المشكلات
تشمل الأنثروبولوجيا التطبيقية مجالات مثل الأنثروبولوجيا الطبية التطبيقية، والأنثروبولوجيا الحضرية، والأنثروبولوجيا الاقتصادية، وعلم الآثار التعاقدي، وغيرها. الأنثروبولوجيا التطبيقية هي ببساطة ممارسة تطبيق النظريات والأساليب الأنثروبولوجية من أي من مجالات الأنثروبولوجيا لحل المشكلات الإنسانية. على سبيل المثال، غالباً ما تستخدم الأنثروبولوجيا التطبيقية عند محاولة تحديد أصل مومياء إنسان قديم مكتشف، حيث يمكن استخدام الأنثروبولوجيا البيولوجية لاختبار الحمض النووي للجسم ومعرفة ما إذا كان الحمض النووي لديه أوجه تشابه مع السكان الأحياء.
قال تعالى في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم: 22).
قدمت الأنثروبولوجيا التطبيقية مساهمات إيجابية في الحياة العامة. أثر البحث الصناعي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين على تقنيات ونظريات إدارة الأعمال الحديثة والإدارة في العديد من البلدان، بما في ذلك أستراليا وكندا والهند والمكسيك وروسيا والولايات المتحدة. وقد ساعد علماء الأنثروبولوجيا في التفاوض على سياسات تعزز حقوق الشعوب الأصلية وتنفيذها على المستوى العالمي.
وروى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ”.