أنماط الاختصار في فن البلاغة

فهرس المحتويات

تصنيفات الاختصار في فن البلاغة

يُقسم الاختصار في البلاغة إلى قسمين رئيسيين: اختصار الحذف، واختصار القصر. سنستعرض كل نوع على حدة مع أمثلة توضيحية.

اختصار الحذف

يشير اختصار الحذف إلى حذف جزء من الكلام، سواء كان كلمة أو جملة أو أكثر، مع بقاء المعنى واضحًا من خلال سياق الكلام أو قرينة أخرى. لا يُخلّ هذا الحذف بالمعنى المراد إيصاله، بل يُضفي عليه أحيانًا المزيد من البلاغة والقوة التعبيرية. يتميز هذا النوع من الاختصار بكونه نسبيًا، فقد يكون النصّ في بعض أجزائه مُطوّلًا وفي أجزاء أخرى مُختصرًا.

أنواع اختصار الحذف

ينقسم اختصار الحذف إلى نوعين رئيسيين:

أولًا: حذف الجمل: ويشمل هذا النوع نوعين فرعيين:

• حذف الجمل المفيدة: وهو حذف جملة مستقلة بذاتها، ويُعتبر هذا النوع من أقوى أنواع الحذف، وهو منتشر في القرآن الكريم. مثال على ذلك قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)[٣]. في هذه الآية، يُفهم من السياق حصول أصحاب الجنة على نعيمها، مما يجعل الحذف هنا أكثر بلاغة من الذكر الصريح.
• حذف الجمل غير المفيدة: ويشمل هذا النوع عدة حالات، منها: حذف السؤال المُقدّر، والاكتفاء بالسبب عن المسبب، أو المسبب عن السبب، والإضمار بشروط، وما ليس بسبب أو مسبب.

مثال على حذف السؤال المقدّر في القرآن الكريم: (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا، وَلاَ يُنقِذُونِ*إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ*إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ*قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قوْمِي يَعْلَمُونَ*بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ).[٤]

ثانيًا: حذف المفردات: يشمل هذا النوع حذف كلمة واحدة من الجملة، وقد يكون ذلك:

• حذف الفاعل: حيث يُكتفى بذكر الفعل فقط، والدلالة على الفاعل واضحة من السياق. مثال: قول حاتم الطائي: “أَماوِيُّ قَد طالَ التَجَنُّبُ وَالهَجرُ ** وَقَد عَذَرَتني مِن طِلابِكُمُ العُذرُ”
• حذف الفعل وجوابه: قد يكون حذف الفعل وجوابه واضحًا من المفعول به، أو من حرف منصوب يدل عليه. مثال على الحالة الأولى: قوله تعالى: (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا)،[٥] ومثال على الحالة الثانية: قوله تعالى: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا).[٦]

اختصار القصر

اختصار القصر هو نوع آخر من الاختصار، يعتمد على تقليل الكلمات مع زيادة المعنى وتركيزه. لا يُعتمد فيه على الحذف، وإنما على اختيار الكلمات المناسبة لإيصال المعنى بأقصر عبارة ممكنة. وهذا النوع من الإيجاز البليغ نجده بكثرة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ).[٨] وقوله تعالى: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ)[٩] وقوله تعالى: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ)[١٠]

المراجع

1. أحمد محسن الجبوري، موسوعة أساليب الإيجاز في القرآن الكريم، صفحة 288. بتصرّف.
2. بتد عبد القادر الجمداني، البلاغة القرآنية في نكت الرماني، صفحة 65-66. بتصرّف.
3. سورة الزمر، آية:73
4. سورة يس، آية:22-27
5. سورة الشمس، آية:13
6. سورة الكهف، آية:48
7. فلاح حسن الجبوري، قطوف دانية في علوم البلاغة، صفحة 86-87. بتصرّف.
8. سورة البقرة، آية:179
9. سورة المنافقون، آية:4
10. سورة النجم، آية:23