تقديم
تعتبر الأمة الإسلامية من بين الأمم التي حظيت بتقدير خاص في الشريعة الإسلامية. وقد وصفها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بـ “خير أمة أخرجت للناس”. هذا الوصف يحمل في طياته معاني عظيمة ويستدعي البحث والتأمل في أسباب هذا التفضيل.
معنى الخيرية في الأمة الإسلامية
يشير القرآن الكريم إلى هذا الفضل في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ). وقد اتفق عدد من المفسرين على أن هذه الآية الكريمة نزلت في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وليس فقط في الصحابة رضوان الله عليهم. وقد وردت عدة أحاديث نبوية شريفة تؤكد هذا المعنى.
من هذه الأحاديث، ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (“كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ”، قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ؛ تَأْتُونَ بهِمْ في السَّلَاسِلِ في أعْنَاقِهِمْ حتَّى يَدْخُلُوا في الإسْلَامِ).
كما روي عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه: (أنَّهُ سمعَ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ في قولِهِ “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ”، قال: إنَّكم تُتمُّونَ سَبعينَ أمَّةً، أنتُمْ خَيرُها وأَكْرمُها علَى اللَّهِ).
هذه النصوص تؤكد على أن الخيرية صفة عامة للأمة الإسلامية، وهو ما اختاره كبار المفسرين مثل ابن كثير وابن جرير الطبري وابن حجر العسقلاني رحمهم الله.
جوانب الخيرية في هذه الأمة
إن المكانة الرفيعة التي حظيت بها الأمة الإسلامية لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة لعدة عوامل وخصائص ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز. وأهم هذه العوامل:
الإيمان بالله
الإيمان بالله هو الركن الأساسي الذي تقوم عليه خيرية هذه الأمة. ورغم أن الإيمان بالله ليس حكرًا على هذه الأمة، إلا أن إيمانها يتميز بالشمولية والعمومية. فهو يشمل الإيمان بجميع الرسل والأنبياء الذين أرسلوا من قبل، والإيمان بالكتب السماوية التي أنزلت على الأمم السابقة.
قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز الصفات التي تميز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم. وقد قدم الله تعالى ذكرهما على الإيمان به في الآية الكريمة، للدلالة على أهميتهما وعظيم أثرهما في تحقيق الخيرية للأمة.
وقد أمر الله تعالى هذه الأمة بأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن يكون فيها من يقوم بهذا الواجب العظيم. قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ).
كونها خير الأمم وأنفعها للناس
تتجلى خيرية هذه الأمة في كونها أنفع الأمم للناس. فعندما تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها تدعو إلى الإيمان بالله وعبادته وحده، وتحذر من الشرك وعبادة غيره. وهذا هو أعظم المعروف الذي تأمر به، وأكبر المنكر الذي تنهى عنه.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- صحيح البخاري
- سنن الترمذي
- صحيح مسلم
- عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي عائض حسن الشيخ
- وسطية أهل السنة بين الفرق لمحمد با كريم محمد با عبد الله
- الوسطية في ضوء القرآن الكريم لناصر العمر